رغم تراكم الأزمات على أعناق المصريين، ورغم إحباطاتهم وخوفهم من غد يعجز فيه «الرجل القوي» وزير الدفاع السابق المشير عبدالفتاح السيسي الذي يستعد قصر الرئاسة لتنصيبه، لا شيء في انتخابات مصر المضطربة يشبه انتخابات سورية المدمّرة والمفتّتة بين نظام وكتائب وفصائل و «أمراء» تخوين وتكفير، وأدوات عمالة.
تُمدَّد انتخابات الرئاسة في مصر يوماً ثالثاً، حتى بين الذين يؤيدون السيسي مَن امتعضوا من قرار التمديد، إذ من شأنه إضعاف صدقية النزاهة في الاقتراع، ولو بذريعة تكريس «شرعية» انتخاب المشير بقاعدة عريضة من المقترعين.
يبدأ السوريون في الخارج، بعيداً عن خنادق الموت ومدنه وأريافه، التصويت في انتخابات «ينافس» الرئيس بشار الأسد فيها، مَن يصوّت له.
في مصر مراقبون أوروبيون للاقتراع، ومنظمات مجتمع مدني، والمرشح السيسي الذي راهنت حملته الانتخابية على «ذعر» شريحة واسعة من المصريين من عودة «دولة الإخوان المسلمين»، لا يحتاج الى التزوير. ولكن، لماذا لم يقبل على مراكز الاقتراع سوى نسبة تناهز الثلث قليلاً، من الناخبين؟… قلق المشير مبرر، فأين الحشود التي منحته المبايعة لـ «إطاحة أخونة الدولة»؟
شتّان بين مصر وسورية. في الأولى ثورة تأكل بعضاً من أبنائها. في الثانية جحيم حرب تسحق الثورة، وعلى أنقاض الدمار، ستوزّع مراكز اقتراع قد يحمي بعضها «الحرس الثوري»، أو خبراء إحصاء روس تعلّموا من تجربة القرم… استهزأت أميركا وأوروبا بانتخابات يجريها القصر فيما المَدافِع موجّهة الى منازل السوريين، والبراميل المتفجّرة تعرف مَنْ يرشدها الى المواطنين «التكفيريين»!
هؤلاء مدعوون أيضاً إلى الاقتراع للرئيس الذي يطهّر سورية من «الإرهابيين» ولو كلّف الأمر إبادة شعبه. فما جدوى الحياة والحريات والحقوق، بلا رئيس؟!
الرئيس «إلى الأبد» يطلب البيعة الجديدة، بعدما حقق «انتصارات» تحت عَلَم الخراب. هو لا ينكر بالطبع دعم الروس الذين صادروا بالفيتو قرارات مجلس الأمن، ولا فضل الحليف الإيراني الذي دافع بشراسة عن «إحدى محافظاته»، بالمال والسلاح والميليشيا. ورغم المجازر، يعود مَن يعود من السوريين الأحياء الى منازلهم وأطلال مدن، ولهم وظيفة: انتخاب الرئيس… إلى الأبد.
شتّان بين سورية ومصر، وصحيح أن الخطأ الكبير الذي ارتكبته حملة المشير الانتخابية هو مبالغتها في تهيئة المصريين لفوز ساحق يقطفه السيسي، لذلك ارتأى بعضهم أن الأمر سيّان إذا اقترع أو امتنع… صحيح أن هناك من يأخذ على المرشح الأول إطلاقه تارة وعوداً سحرية قد لا تلامس الواقع، أو تنبيهه مواطنيه تارة أخرى إلى أن رحلة المعاناة طويلة، لضمان الكرامة الإنسانية والخبز والمساواة، ومحاصرة جيوش الفساد، وإرغام الإرهاب على الاستسلام، لكنّ الصحيح ايضاً أن بين الذين جنّدوا انفسهم في حملة السيسي لتوسيع قاعدته الشعبية، ضربوها في مقتل.
وأم الفضائح التي تعيد إلى الذاكرة حفلات التنكر لنظام حسني مبارك على القنوات الفضائية المصرية، وفي اتجاه معاكس هذه المرة، حملة ترويع للناخبين… على الهواء، صنّفتهم خونة إن لم يقترعوا.وهكذا يكون الترهيب وسيلة لفوز مرشح يَعِد الناخب بغد لا خوف فيه! الأكثر بشاعة ربما، أن يصبح الإعلام في أي بقعة من الأرض، مالكاً لسلطة تصنيف البشر وتكفيرهم وتخوينهم، بل حتى هدر دمائهم لأنهم «يستحقون القتل»!
هو الإعلام الذي شوّه من حيث يدري أو لا يدري، صورة المشير، فيما قبضة المعاناة الشديدة تشتد حتى لدى الذين قاطعوا التصويت. فالإحباط بات سيفاً وخيبات الأمل تنهش أحلام مصر الجديدة بلا رحمة.
حركة «6 إبريل» وسواها ليسا من «الإخوان» دعاة المقاطعة، وإن كان من أمل في بداية طريق لخلاص مصر، فلعله يبدأ بتلمّس سبل الحوار، رغم نتيجة الانتخابات المحسومة… ويبدأ باحتواء قوى الثورة واحتضانها في شراكة، تُغني عن «القبضة الحديد»، ولو في غياب «الإخوان».
وأما السوريون فلعلهم مخيَّرون بين الرئيس والرئيس، بين المجازر و «الانتصارات» التي تجدد النكبة، إلى الأبد.
بين صخب الحملات الانتخابية المصرية، كان الشعار الطاغي اتهامات- إنذارات للناخب المقاطع بأنه «يبيع مصر»، سيّان إن كان من «الإخوان» أو حركة «6 أبريل» أو شباب الثورة، كلهم في سلّة واحدة.
إنها حكمة إدارة حملة المشير.