البلد كله مشلول، والمؤسسات التي تتكوّن منها الدولة من رئاسة جمهورية وحكومة ومجلس نواب إمّا شاغرة بسبب الانقسام الداخلي كرئاسة الجمهورية وإمّا مشلولة وعاجزة عن معالجة أبسط المشاكل كالحكومة التي منذ تسلّمت صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة تبدو عاجزة عن معالجة قضية العسكريين المخطوفين عند «داعش» و«النصرة»، وهذا العجز ينسحب على المشاكل الأصغر والأبسط من الأمور التي تؤدي الى تسيير أعمال الدولة، ومجلس النواب لا يجتمع بسبب انقسامه بين مؤيّد لانتخاب رئيس للبلاد قبل أن يجتمع للتشريع بوصفه أصبح هيئة ناخبة لا تستطيع أن تقوم بأي عمل تشريعي أو غير تشريعي آخر وأصوات النواب ترتفع مطالبة بالتمديد لأنفسهم وهي تعلو على صوت رئيسها المناهض للتمديد وحجتها أن الظروف الدولية لم تصبح مؤاتية بعد لانتخاب رئيس للجمهورية فلماذا لا يستفيد النواب من هذا الوضع ويمدّدوا لأنفسهم ولاية جديدة، وإن لم تكن هناك ظروف قاهرة كما ينص على ذلك قانون الانتخابات.
لنفترض جدلاً، أن انتخابات رئاسة الجمهورية ليست صناعة لبنانية، ولم تكن في يوم من الأيام إلا صناعة خارجية ويبقي على عاتق مجلس النواب الاجتماع لإعلان ولادة الرئيس الجديد، نقول لنفترض أن الانتخابات الرئاسية صناعة خارجية ولا يد للحكومة أو لمجلس النواب فيها، الأمر الذي يجعل انتظار الضوء الأخضر الخارجي أمراً لا مفرّ منه، فما هي مسؤولية الخارج في معالجة الملفات الداخلية الأخرى، كإقرار سلسلة الرتب والرواتب مثلاً والتي أدت الى انتهاك النظام التعليمي في لبنان، وهبوط مستواه، كما أدت الى ضياع عشرات الألوف من الشباب اللبناني الذين حصلوا على إفادات بدلاً من الشهادة الرسمية التي حصل عليها بجدارة، أو معالجة مشكلة الكهرباء المزمنة والتي تكلّف الدولة سنوياً مبالغ لا تقل عن مليارين ونصف المليار دولار أميركي، وما ذنب المواطن اللبناني أن يُحرم من التيار الكهربائي في العاصمة وفي بقية المناطق اللبنانية حتى بات هذا المواطن يشعر وكأن الدولة لا وجود لها وأنه يعيش كمن يعيش في مجاهل إفريقيا، وماذا سيحلّ بهذا المواطن إذا أفلست الدولة كما يهوّل وزير المالية وقد ثبت بالبرهان القاطع أنه على حق ما دام ارتفع الدين العام الى أكثر من 68 مليار دولار وارتفعت كلفته الى أكثر من تسعة مليارات من الدولارات الأميركية، الأمر الذي يضع الدولة بقضها وقضيضها على شفير الإفلاس، فهل هذه المشاكل التي تواجه اللبنانيين في ظل حكومة أطلق عليها حكومة المصلحة والمصالحة الوطنية، سببه عوامل خارجية ومعالجته تحتاج الى تدخل خارجي تماماً كما يدّعون بالنسبة الى انتخابات رئاسة الجمهورية.
هل إقرار مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب ووقف هذه الموجة من الاضرابات التي لم يألفها هذا البلد يحتاج الى مؤتمر دولي أو الى توافق خارجي، وهل حل مشكلة الكهرباء المزمنة ووقف النزف والهدر بحاجة أيضاً الى تدخل خارجي، وهل أن ضبط الأمن ومنع الفلتان بحاجة أيضاً الى معالجة خارجية أو الى تدخل خارجي، وهل وهل واللائحة تطول وخطر سقوط الدولة يقترب ولا مَنْ يسأل لأن الجميع مشغولون بترتيب أوضاعهم ومصالحهم على حساب الدولة والوطن والشعب.