كما كان متوقعاً، لم تَصل العلاقة بين الرئيس سعد الحريري والعماد ميشال عون حتى إلى محطة «الخطوبة»، أي التلاقي على خطوط عريضة. أما «القِران»، أي إيصال عون إلى بعبدا… بضماناتٍ «جنرالية» أمنيّة وسياسية بعودة الحريري إلى السراي، فذلك لم يكن حلماً، بل كان سراباً.
لم يكن عون يريد أن يُصدِّق أنّ «حزب الله» لا يريده في القصر. ولم يكن يريد أن يُصدِّق أنّ موافقة الحريري عليه كرئيس للجمهورية هي أيضاً مستحيلة. وربما أقنَعه المحيطون به، الذين وزَّعهم كوسطاء بين «الحزب» والحريري، بأنّ الأجواء كانت دائماً تدعو إلى التفاؤل، في معزلٍ عمّا إذا كانوا هم مقتنعين بالتفاؤل أم لا.
وأرفق هؤلاء رسائلهم المتفائلة بتقارير إيجابية من السعودية وإيران وباريس وواشنطن. وهكذا نام «الجنرال» على حرير الحريري، متأكّداً أنّ دعم «حزب الله» له هو من باب «تحصيل الحاصل».
حقّق «الحزب» من هذه المرحلة الرمادية هدفين:
1- تسهيل قيام الحكومة ضمن توافق سعودي – إيراني، أيّ سنّي – شيعي. فقد أراد أن يجذب «المستقبل» إلى السلطة لمهمات معيّنة يريدها «الحزب»، ويُترجمها التوافق الإستثنائي بين وزراء الفريقين. وكان مطلوباً ألّا يكون عون عنصر «شغب» على «المستقبل».
2- يُدرك «الحزب» أنّ لا إنتخابات رئاسية، فهو صاحب قرار التعطيل. ولذلك فضَّل إرضاءَ عون أو إلهاءَه بمفاوضات عقيمة مع الحريري. وتخلَّص «الحزب» من شُبهة عدم دعم الحليف المسيحي، الذي يتسبَّب له بوجع الرأس في كل إستحقاق رئاسي. وهذا ما حصل. إذ يسود الإقتناع في الرابية بأنّ الحريري سدَّ طريق بعبدا على «الجنرال»، لا السيد حسن نصرالله.
أمّا الحريري فإستفاد أيضاً من المفاوضات العقيمة مع عون للتخفيف من حدة النقمة العونية على فريقه في الحكومة والمجلس والمؤسسات. وتمكَّن من طمأنة حلفائه المسيحيين بأنّ عون لن يكون في أيّ يوم مرشحه الرئاسي. وأبلغ الحريري إلى حليفه الدكتور سمير جعجع ذلك في لقائهما الباريسي، ومن خلال أقنية مختلفة.
ومماطلة الحريري وعدم إفصاحه عن رفض عون كمرشح للرئاسة، ليس مردّه التردُّد أو الإرتباك، بل إنه مجرَّد تكتيك لغايات سياسية محددة. ففي ظلّ الإنتظار العوني لكلمة «النعم» الحريرية، إستطاع «المستقبل» أن يكسب وقتاً ثميناً لتجميد حملات الرابية، تحت عنوان «الإبراء المستحيل»، والتي شوَّشت عليه في الأوساط الشعبية وشوَّهت صورته. وإستطاع أن يُرمِّم بعضاً من صورته، خصوصاً في الأوساط العونية.
واليوم، «إستوعب» عون أنّ الحريري لن يدعمه لبلوغ بعبدا، وأنّه قد لا يبوح بذلك علانية لغايات سياسية. وبدا لـ»الجنرال» أنّ إنتظاره بات بلا أفق. وبعد أسابيع من إطلاقه «ثلاثية» نصرالله – عون- الحريري، بادر إلى طروحات تضرب أيّ فرصة لـ»الثلاثية». فالعودة إلى «الأرثوذكسي» وإنتخاب الرئيس من الشعب يشكّلان إرتداداً لمحاولة إرضاء المسيحيين، بعد الفشل في الحصول على رضى الآخرين.
ولأنّ وصول عون مستحيل في ظل المعطيات الراهنة، فقد يكون هناك مَن أقنعه بأنّ تغيير المعادلة من شأنه أن يتيح له تحقيق الهدف. وربما لهذه الأسباب، بادر إلى طروحاته النظرية «المسيحية».
فإنتخاب كلّ طائفة لنوابها، وإنتخاب رئيس الجمهورية من الشعب بعد دورة أولى تكون مخصّصة للناخبين المسيحيين، هما خطوتان تُتيحان للمسيحيّين أن يأتوا بممثلين فعليين لهم إلى المجلس والحكومة والرئاسة. وهذا يمنح عون أو جعجع أو سواهما فرصة للوصول. لكنّ ذلك يصطدم برفض شيعي وسنّي لأيّ تغيير في الطائف.
وتالياً، هل ينتظر عون أن يحظى بفرصةٍ أكبر إذا جرى تغيير النظام، بدءاً بتعطيل الإستحقاقات الدستورية؟ وهل أقنعه «الحزب» بحسنات التعطيل والفراغ والفوضى، طريقاً للوصول إلى بعبدا؟