يبدو أن فترة الشغور الرئاسي ليست قصيرة، وهي مستمرة، طالما استمر هذا العجز الذي يضرب الطبقة السياسية، وطالما بقيت الصراعات بين القيادات المارونية، تتقدّم على حسابات دور الطائفة، وعلى مصالح الوطن كله!
لم يعد الحديث عن «الرئيس القوي» يوحي بأي معنى، وفقدت شعارات «الرئيس التوافقي» أو الوسطي، مدلولاتها السياسية والانتخابية، وأصبح الفراغ الرئاسي، أو بالأحرى الخواء السياسي، هو المهيمن على الحركة السياسية، التي تدور في دوّامة من النقاشات البيزنطية المفتعلة، من نوع حجم الصلاحيات الرئاسية الموكولة لمجلس الوزراء، وآلية تنفيذها، وصولاً إلى التهديد بتعطيل الجلسات التشريعية، طوال فترة الشغور في رئاسة الجمهورية!
ولم تنفع محاولات الطبقة السياسية المتداعية، في إلقاء مسؤولية عجزها الفادح عن إجراء الاستحقاق الرئاسي، على الأطراف الخارجية، من أشقاء وأصدقاء، بعدما أجمع، القريب والبعيد في الخارج، على التبرّؤ من الاهتراء اللبناني، وعلى دعوة الأطراف المحلية إلى تحمّل مسؤولياتها الوطنية، وإنجاز الانتخابات الرئاسية في أسرع وقت ممكن!
* * *
لقد حملت الأيام الأخيرة أكثر من خيبة أمل، للمراهنين على التحرّك الخارجي في الاستحقاق الرئاسي، فمن زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى بيروت، والتي انتهت على طريقة المثل الشعبي المعروف: «تيتي.. تيتي.. متل ما رحتِ متل ما جيتي»، لأنها لم تحرّك ساكناً في مستنقع الانتخابات الرئاسية الراكدة، ولم يحاول الوزير الأميركي المُنهَك، أن يقدم أية فكرة من شأنها أن تفك أسر الاستحقاق الرئاسي المُعطّل… إلى عدم تجاوب طهران مع دعوة الرياض لفتح قنوات حوار على مستوى وزيري خارجية البلدين بعد إعلان المبادرة السعودية المنتظرة، باتجاه الوزير محمد جواد ظريف، ودعوته لزيارة المملكة، مما يعني أن الحوار السعودي – الإيراني مؤجل حالياً على الأقل، وحتى إشعار آخر… إلى استمرار المفاوضات الغربية مع إيران، في دهاليز الكرّ والفرّ بين الجانبين، وما نتج عنه من تأخر واضح في إبرام الاتفاق النهائي بين الجانبين، في الملف النووي الإيراني، وما سيترتب على نتائجه من تطورات ومتغيّرات في الإقليم، على ضوء السياسات الإيرانية الجديدة، وتأكيد مدى جدية طهران في احترام التزاماتها تجاه المجتمع الدولي، وتنفيذ تعهداتها كطرف داعم للأمن والاستقرار في المنطقة.
* * *
والسؤال الذي يشغل الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، ويُفاقم من حالة القلق التي يعيشونها هذه الأيام هو: هل يبقى الاستحقاق الرئاسي معطلاً، في ظل استمرار الصراعات الإقليمية والدولية المحتدمة حولنا..؟
ولعل أكثر ما يخشاه اللبنانيون هو أن تبقى الدولة اللبنانية بلا رأس، فترة ليست قصيرة، الأمر الذي قد يؤدي إلى خلخلة توازن الصيغة الوطنية، فضلاً عن عرقلة أعمال المؤسسات الدستورية الأخرى.
والمفارقة العجيبة أنه رغم الأخطار المحدقة بالنظام السياسي، وما تحمله عواصف الإقليم من تهديدات للأمن والاستقرار الهش في البلد، فإن المواقف السياسية بين قطبي هذا الانقسام العامودي المدمر، 14 و8 آذار ما زالت متباعدة، بل ما زالت الأجواء المتشنجة بينهما تفتقد إلى أبسط خطوات التهدئة، وإلى كل ما يُساعد على إيجاد الحلول المناسبة للأزمات الاجتماعية والمعيشية التي يتخبّط فيها البلد.
لا سلسلة الرتب والرواتب، والمشاكل والإشكالات المحيطة بها، استطاعت أن تحقق اختراقاً في الانقسام الحالي..
ولا أزمات الكهرباء، والمياه، ولا أرقام الكساد والبطالة، ولا مخاطر تفاقم العجز المالي، واحتمال تحوّل لبنان إلى «دولة فاشلة»، دفعت أطراف الطبقة السياسية المفلسة، إلى تناسي خلافاتها، والتلاقي للبحث في وضع خريطة طريق، قادرة على إنقاذ البلاد والعباد، قبل الوصول إلى الانهيار الشامل!
* * *
جلسات مجلس الوزراء معلقة بغياهب التوافق على آلية العمل في ممارسة الصلاحيات الرئاسية وكالة..
جلسة السلسلة في مجلس النواب غداً، ما زالت أسيرة التباينات في الحسابات والأرقام بين وزارة المال والنواب..
وجلسة الانتخاب الرئاسي بعد غد، انزلقت سلفاً إلى دوّامة التعطيل والشلل..
وهكذا هو حال البلد: مراوحة قاتلة بين السيّئ والأسوأ!
فمتى ينفد صبر اللبنانيين على فشل هذه الطبقة السياسية وإفلاسها، ويطلقون انتفاضة الغضب والتغيير؟