Site icon IMLebanon

مَن يفتدي الإسلام؟

جيد ان يقول مفتي السعودية إن “داعش” و”القاعدة” هما العدو الاول للاسلام، لكن ما كشفه التنظيمان، منذ زلزال 11 ايلول 2001، الى ما تشهده سوريا والعراق اليوم، هو ان الرد على فكرهما الارهابي، لا يمكن أن يكون بالإدانة والتوصيف، والنصح والإرشاد، وحتى بالتوبة.

فالعنف الذي يمارسانه لا ينفردان به: تجلى قبلهما في الجزائر، وقبلها في افغانستان، وبعدها في دول افريقية مسلمة، وجاء انتصار الخميني في ايران ليوقد حماسة منظمات العنف الدموي، اقتداءً به، وتنافساً معه، في آن، وهو الذي ترك بصمته في لبنان، في الثمانينات، تفجيراً للسفارات وخطفاً للديبلوماسيين، وترهيبا وتصفية للبنانيين.

كل طرف من هذه القوى يريد تطبيق الاسلام كما يراه، آملا في استعادة الماضي السحيق بتدمير التقدم، أو بالسعي الى غيب موعود، باصطناع وقائع توهم باقتراب موعد “العدل النهائي”.

وبين الحالتين، تتسلل استراتيجيات ومصالح دولية، على دماء الأبرياء، لكن الغائب الأول، في كل ذلك، هو من تخاض باسمه، وبرايته، هذه الحروب الوحشية. إنه الاسلام الحقيقي: لم يرتفع صوت بالدعوة الى مؤتمر اسلامي دولي لإصلاح مفاهيم ألصقت به، إما زورا، وإما سندا الى ماضٍ سحيق له وقائعه وأسانيده، التي لم تعد تصلح اليوم. والقراءة “الهمجية” من جهة، والغيبية الغبية من جهة اخرى، تقضيان بأن يرد عليهما بقراءة عصرية توائم بين الدين، عقيدة، والتقدم العلمي كواقع، لتفكيك الفصام الاجتماعي- النفسي، بين المفاهيم المتوارثة، من تشدد وقيود، وتقاليد قبلية جاهلية، وبين العولمة وسرعة انتقال الافكار والعادات المستجدة، والتطور العلمي.

تزعم الجاهلية “الداعشية” الحديثة انها تسعى الى ان يكون المسلمون قوة عالمية، وتستند الى التقدم التقني والعلمي المقيد بجاهلية موروثة استبدلت الجمل والخيل والسيف، بالكومبيوتر والليزر والتفجيرات، لفرض إيمان أعمى بقوة عمياء، تميز فقط التابع لها من غيره. وهي تتجاهل أن الله لو أراد كل البشر على دين واحد لفعل، هذا على الاقل ما يفترض أن يؤمن به الإسلاميون، إلا إذا كان الله أراد وجود “الكفار” كي يسفك هؤلاء دماءهم. وإذا كان “كفر” هؤلاء المنسوب اليهم، لأنهم غير مسلمين، أو مسلمين غير تابعين، لا يرضي “الله الواحد الأحد”، فهل كان تقدم الغرب الثقافي والعلمي والاقتصادي والتقني جائزة ترضية إلهية كي يمعن أهله في كفرهم المزعوم؟ أم لأنهم عرفوا أن العلم والعمل هما محرك هذا التقدم، وليس الاكتفاء بالطاعة الدينية وحدها؟

“الجهاديون” يشدون المسلمين والاسلام الى خلف، فمن يشدهم الى أمام بوعي جديد ورؤية جديدة؟ ومن يفتدي الإسلام بإصلاح مفاهيم تدمره وتدمر مجتمعاته، ويدعو الى مؤتمر عالمي، ليس لتوصيف إجرام “داعش” و”القاعدة”، فحسب، بل ولتحديد الشفاء من وبائهما بقراءة حداثوية للدين تفتح له أبواب الزمن المقبل؟