أعلن المواطن العراقي إبراهيم عواد إبراهيم البدري نفسه خليفة للمسلمين على أراضٍ عراقية وسورية اجتاحها مسلحون يقودهم باسم «الدولة الإسلامية في العراق والشام». ومع «الخلافة» حذفت كلمتا العراق والشام ليقتصر الاسم على «الدولة الإسلامية» التي «لا يحل لأحد أن يبيت (في مناطق سيطرتها) ولا يدين بالولاء للخليفة».
تنظيم عسكري مندفع بأيديولوجية دينية متطرفة ويضم، إضافة إلى غالبية عراقية وسورية، كثيرين من بلاد عربية بعيدة ومن بلاد أجنبية أبعد. وتبدو آلية قتاله واحتشاده وممارسته العقائدية أقرب إلى القبائلية الآسيوية، خصوصاً البشتون، الذين أنجبوا «طالبان»، منها إلى عيش العرب البدو أو الحضر.
هذه «الخلافة» الغريبة مِعوَل لهدم العرب وحضارتهم، يضاف إلى معاول سابقة ألحقت هزائم وهدمت حواضر وقسمت دولاً وفتّتت مجتمعات.
إنهم يهدمون العرب، ولا مجال هنا للإشارة إلى تشويههم صورة الإسلام في أذهان أهل الأرض، حتى صارت الفئات الإسلامية المتعسكرة مدعاة إلى الظن بأن الخطر على الإسلام يأتي تحديداً من المسلمين، بعنفهم الأعمى أو بسكوتهم عن العنف الأعمى.
كانت صورة العرب واضحة أثناء نضالهم لتأسيس دولهم الحديثة وسعيهم إلى استقلالها، فلم تجد سورية ضرورة لنعتها بـ «العربية» فسمّيت «الجمهورية السورية» كون العروبة صفة بديهية لدولة انطلقت منها ومن بلاد المشرق الأخرى، كلبنان وفلسطين، العروبة الحضارية. لكن سورية بفعل مَعَاول هدم العرب اضطرت أن تسمّي نفسها «الجمهورية العربية السورية» من باب تأكيد ما صار مشكوكاً فيه. والأمر نفسه يصح على «الجمهورية المصرية» التي سُمّيت، بعد انفصال سورية عنها بسنوات قليلة، «جمهورية مصر العربية».
الإمعان في الفساد والديكتاتورية والعصبية العمياء أوصل العراق وسورية، أو معظمهما، إلى حضن «داعش» غير الدافئ ولا الحنون. ومع البلدين المشرقيين يستنفر الأردن قواه للدفاع عن وجوده في منطقة حساسة بين العراق وإسرائيل وسورية والسعودية، فيما يرتجف لبنان خوفاً ويواصل قادته تغييب الشعب عبر تجديد خلافاتهم السطحية حول حكم لم يبق منه سوى هيكل فارغ، بل إن رئاسة الجمهورية، رمز الدولة، مجرد لعبة أشقياء يحصون أموالهم الحرام في صناديق غرف النوم. أما القادة الفلسطينيون فقد كفوا عن انتظار نصرة العرب وأحرار العالم، وهم يختلفون اليوم على اقتسام محنتهم كأنها ثروة لا محنة.
إنها فوضى ما بعد الربيع العربي، حملت وتحمل معنى مباشراً هو فشل الدولة العربية الحديثة التي جرت هيكلتها برعاية الانتدابين البريطاني والفرنسي وتولى أمرها بعد الاستقلال زعماء متعددو الأهواء والمشارب.
وحين صُدمت النخب العربية بنكبة فلسطين ضيَّعت البوصلة بين معركة قومية مفترضة وتنمية مطلوبة للدولة والمجتمع، ولم تحقق أياً من الهدفين إنما سلمت الدولة، بانقلاب وأحياناً من دونه، إلى جيوش أو أحزاب متعسكرة مثل الجيوش، وفي قمة الحكم دائماً قادة لا يأتيهم الباطل من أمامهم ولا من خلفهم، ومصير من ينتقدهم القتل أو السجن أو الإخفاء.
ليس «الخليفة» إبراهيم عواد إبراهيم البدري الديكتاتور العربي الأول ولن يكون الأخير، وإن تميز بلقب «الخليفة» من باب منع التكرار.