يستغل بنيامين نتنياهو ما شهده العراق مؤخرا من تحركات «داعشيّة« باعتبار ما يجري على الساحة العراقية يشكل فعليّا مفصلا شرق اوسطي ودوليًّا وتحولاً استراتيجيًّا مهماً بالامكان استخدامه للخروج من جملة ازمات منها ما هو محلّي تجلى في تصدع واضح في الجبهة الداخلية ومنها ما هو دولي سواء مع الولايات المتحدة او مع الاوروبيين.
ولا يستبعد مراقب فلسطيني مقيم في لبنان ومتابع منذ سنوات لهموم مواطنيه ان تكون قضية اختطاف المستوطنين الاسرائيليين الثلاثة ومقتلهم من تدبير الدولة العبرية، بغض النظر عن هويّة المنفذين. ويلفت الى ان نظريته لا تستند الى مقولة «المؤامرة» الرائجة في بلداننا وانما هي بنتيجة قراءة موضوعية لما تراهن اسرائيل على تحقيقه وجنيه من تصعيدها العسكري على غزة تحت شعار «الجرف الصامد«. وقد توّج هذا التصعيد حملة اعتداءات ومداهمات وهدم منازل اعقبت عملية الاختطاف وتوّجت باختطاف فتى فلسطيني وحرق جثته.
لقد استغلت «الفبركة« الاسرائيلية تطورات اقليمية لتحقيق مروحة اهداف على مستويات مختلفة: عموديا من محلي الى اقليمي فدولي، وأفقيا من طهران الى بغداد الى القاهرة…. فانتفاضة السنّة في العراق ضد هيمنة ايران التي حملت باراك اوباما الى بغداد تشكل «تغييراً استراتيجياً في الخريطة الاقليمية. وهذا التغيير ادخل الايراني، سواء اراد ام لم يرد، في معركة استنزاف مع السنة والكرد«.
فقد اراد نتنياهو استغلال التطورات العراقية لتنفيذ اجندة كاملة تخلصه من كل ازماته سواء مع الولايات المتحدة بسبب افشاله المفاوضات مع الفلسطينيين، او مع الدول الاوروبية التي تعارض استمراره في سياسة الاستيطان، او التصدع الداخلي الذي تجلّى مطلع الاسبوع في حلّ الائتلاف البرلماني بعد انسحاب وزير الخارجية افيغدور ليبرمان من الحكومة مثلا. وهو بذلك يعيد صياغة موقع بلاده الاستراتيجي اذ يصبح مرجعية التفاوض للتهدئة بالنسبة الى القوى الاقليمية او الدولية.
ويرى المصدر ان التصعيد الاسرائيلي يستهدف اولاً حكومة الوفاق الوطني لان الدولة العبرية عارضت وتعارض فعليا أي مصالحة تعيد الشرعية الفلسطينية الى غزة . ففعليا لا تريد اسرائيل القضاء على حركة «حماس» وانما اضعافها عبر القضاء مثلا على منصات اطلاق صواريخ تحت الارض اقامتها في عهد راعيها الرئيس المصري المعزول محمد مرسي بعد ان استقدمتها من ليبيا او السودان. لكن اسرائيل تريد إبقاء «حماس» حاضرة في المعادلة لتستخدمها ضد السلطة. كما تأمل بأن يسمح لها «الجرف الصامد» باستكمال مسارها الاستيطاني في الضفة كما قد يسمح لها ببناء جدار غور الاردن ليكون جدار الفصل الشرقي بعد جدار الفصل العنصري الذي أقامته حول معظم اراضي الضفة الغربية رغم كل الادانات الدولية. ويؤكد المصدر ان الجدار الجديد لا يؤدي فعليا الى سلخ غور الاردن فقط وانما الى سلخ نحو 70 بالمئة من اراضي الضفة الغربية نفسها.
ويلمح المصدر الى تقاطع اميركي – تركي ضمني على ما يشهده العراق. وهو ما يتجلى عبر قراءة معمقة لثلاثة مواقف: شطب تركيا «جبهة النصرة« عن لائحة الارهاب، تعاونها مع الاكراد رغم رفعهم شعار الاستقلال، اضعاف ايران قبيل الموعد النهائي لانجاز الاتفاق على الملف النووي في العشرين من الجاري.
ولا يخشى المصدر امتداد نار «الجرف الصامد» الى جنوب لبنان او هضبة الجولان. فبرأيه «ثمة اتفاق ضمني مقدس» بين الولايات المتحدة واسرائيل وايران قاسم سليماني للحفاظ على هدوء هذه الجبهات حماية لمصالح متقاطعة. كما يعيد هذا التصعيد إحياء مشهد الارهاب الفلسطيني ليتاجر به نتنياهو كما يتاجر به نوري المالكي وبشار الاسد.