Site icon IMLebanon

نحن المسيحيين

توحشت اعتداءات الإسلاميين على المسيحيين والأيزيديين وغيرهم من الأقليات على امتداد المشرق العربي. بلغت هذه الوحشية حداً كارثياً نتيجة الفظائع التي ترتكبها “الدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش”. ثمة ما يستوجب التدخل الدولي الإنساني لمنع حصول مجازر جماعية أو عمليات إبادة. غير أن الأهم ألا يبقى المسلمون المؤمنون بالتعدد مكتوفين في انتظار يوم الوقوف على أطلال الكنائس والمعابد، أو تحويلها جوامع ومساجد. ينبغي ألا يسكتوا. بل أن يقولوا: نحن المسيحيين…

تعايش المسيحيون المشرقيون وغيرهم من الأقليات – على مضض – مع كل أشكال الإضطهاد التي مورست بإسم الإسلام ضدهم. لا يزال ظاهراً وقع القهر الناعم من الجمهورية الإسلامية في ايران الى جمهورية تركيا العلمانية. لم يعد أحد يسمع صوت الأجراس في طهران، بل الأنباء عن قمع البهائيين. تقف آيا صوفيا في اسطنبول شاهدة على ما فعلته السلطنة العثمانية في القسطنطينية. لم يحل العمانيون دون اضمحلال الحضور المسيحي في تلك الأرض. طاول هذا الإرث ما صار اليوم الجامع العمري في وسط بيروت، وما كان من كنائس المسيحيين في ضاحيتها الجنوبية. تشير الى ذاتها غيلان “داعش” و”جبهة النصرة” والجماعات الإسلامية الأخرى في العراق وسوريا وعلى امتداد المشرق العربي، ومنه لبنان.

ما تفعله “داعش” وغيرها من كتل الإسلاميين المتطرفين في “أرض السبي البابلي” يوازي الفرهود الذي أدى الى تهجير غالبية اليهود العراقيين عام ١٩٤١، والتحاقهم لاحقاً بدولة اسرائيل. وهو يوازي أيضاً ما تسعى اليه اسرائيل اليوم من صفاء كي تصير “دولة يهودية” خالصة يعيش فيها العرب وأتباع الديانات الأخرى باعتبارهم مواطنين اسرائيليين من الدرجة الثانية، أي بالتعبير الإسلامي: أهل ذمة. نحن المسيحيين، أنظروا الى ما فعلته اسرائيل بنا في أورشليم والناصرة وعلى ضفاف نهر الأردن.

المسألة أعمق بكثير من بطش النظام العلوي للرئيس السوري بشار الأسد (المدعوم شيعياً) ضد معارضيه من السنّة، ومن تخاذل المجتمع الدولي عن حماية هؤلاء، ومن استئثار رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بالسلطة، ومن أوهام ايران ببناء قوس نفوذ صلب على امتداد “الهلال الشيعي”.

البعض يصفق الآن للتدخل الأميركي الثالث في العراق، آملاً في حماية المسيحيين والأيزيديين على غرار حماية الأكراد ومن بعدهم الشيعة من وحشية صدام حسين. يا للمفارقة! ولكن قبل أن نصل الى ذلك. نحن المسيحيين الذين نتسامح حتى مع من اعتدى، لسان حالنا يقول: نحن لسنا غرباء. الشريعة السمحة ليست خطباً ومواعظ على المنابر. الألفاظ لا تعوض الأفعال.

الذين يخشون الخطر الداهم، يجب أن يتصرفوا باعتبارهم مسيحيين، ليحفظوا ما بقي من هوية ذات معنى لهذا المشرق العربي وللتسامح الفعلي المأمول فيه.