سواء قَبِل المرشد آية الله علي خامنئي إبعاد نوري المالكي اليوم، وبشار الأسد غداً، أو رفض وأصر على متابعة المواجهة بهما، فإن العراق تقَسّم الى ثلاث ولايات في أفضل الأحوال، وهو أمام خطر «الصوملة» فعلياً، في حين أن سوريا تشلعت وعملية تقسيمها الى «ولايات» ما زالت بعيدة، لأن الفرز الديموغرافي الضروري لذلك يحتاج الى الكثير من المعارك والتصفيات السكانية. يستطيع المرشد أن يصف ما حصل في الأنبار نتيجة لأعمال «مجموعة من الحمقى»، وأن يطالب المسؤولون الايرانيون «بوقف التدخلات الخارجية»، لكن من الثابت، أن الذين «انتفضوا» ليسوا كلهم «دواعش» ولا هم حمقى. سياسة التهميش السياسي والاقتصادي بكل خطاياها، هي المسؤول الأول عما يحصل، وان الذي قاد هذه السياسة ليس نوري المالكي وحده، وإنما «أقوى الرجال» في بغداد الجنرال قاسم سليماني وذلك كما وصفه السيد مقتدى الصدر. أما في سوريا، فإن المرشد الذي جعل من معركتها معركة «المربع الأخير» بالنسبة لإيران، والتي وظّف فيها كل امكانات بلاده المالية والعسكرية، وزج فيها حزب الله الى جانب ميليشيات العراق المذهبية، التي رمت الزيت على نار المشاعر المذهبية المتأججة في العراق، مما حول مشاعر التهميش والاحباط الى بركان مذهبي قابل حتى لاستقبال الظلاميين من «داعش».
رغم كل الكبرياء القومي الايراني المعروف، فإن القلق بدأ يغزو طهران. العراق كان دائماً «الخاصرة الرخوة» لإيران. عشرات الحروب التي اشتعلت من هذه «الخاصرة» طوال قرون، تؤكد ذلك. حالياً، بعد أن بدأ مسار المواجهات يتعزز يومياً بروافد الأحقاد المذهبية وخصوصاً السياسية منها، فإن طهران أدركت أنها فتحت على نفسها من الثغرة العراقية «تسونامي» التشنجات والاعتراضات المذهبية التي يمكن بسهولة صب «الزيت» عليها من الخارج. لذلك تريد أن لا تتمدد أحداث الأنبار و»تتسورن»، مجرد بدايات. العراق اليوم، تحول الى «ملعب» أكبر وأهم من «الملعب» السوري.
من المضحك المبكي، أن واشنطن وموسكو وطهران سارعت لدخول «الملعب» العراقي، هذه «الترويكا» سواء عن سابق تصور وتصميم أو نتيجة لقواعد الاشتباك الحالية والطارئة والقادمة ستتعاون وتتكامل وتتضامن لإحداث المعجزة، عكس ما يجري في سوريا حيث واشنطن تتفرج باكتفاء نفسي كامل على استمرار غرق طهران وموسكو في حرب الاستنزاف الطويلة. الأطرف أن واشنطن التي سارعت للمشاركة في ضرب «داعش» في العراق هي نفسها التي تركت «داعش« تتمدد وتتضخم في سوريا وتدفع نفسها قبل غيرها الى تصديق الكذبة الكبيرة بأن بشار الأسد يحارب «داعش« وليس هو أحد صانعيها خصوصاً لتصديرها الى العراق منذ عام 2003 باسم المقاومة. أيضاً ان واشنطن التي تركت المعارضة المعتدلة و»الجيش الحر» يتساقطان من الاهمال والاستبعاد، تطالب اليوم، بأن يقاتل احمد الجربا «داعش» في العراق وسوريا ليس بوصفه رئيسا للائتلاف السوري وإنما كونه من قبيلة شمّر العربية السنية الشيعية.
يبقى أن تركيا التي دعمت البرزاني في كل قراراته الانفصالية، التي تبلورت في ضم كركوك «خزان النفط» الاستراتيجي الى كردستان العراق، وان إيران التي لاذت بالصمت تتناسيان أن «علم» كردستان الكبرى قد لاح، وان الشعب الكردي يمتلك قيادة كفوءة والرجال والسلاح والنفط الذي يفيض عنها بكثير. وأنه في قلب هذه «الدولة» الموعودة أجزاء ضخمة من إيران وتركيا. لذلك كله فإن استبدال «مقص» سايكس بيكو «بالمقص» الايراني التركي، اليوم لن يرحمهما مستقبلاً.
في رواية الروائي سليم بركات فصل مطول عن الطير «شيروش»، الذي متى حلّق يستمر في التحليق حتى يسقط من التعب والارهاق.
حالياً، ما أكثر طيور «الشيروش» الذين يحلقون فوق العالم العربي.. في النهاية عندما ينتهي تحليقهم ويتهاوون من التعب… يبقى الأرض والتاريخ.