Site icon IMLebanon

نريد افعالا ولا نريد اقوالا

لا يسعنا إلاّ أن نرحّب بدعوة السيّد حسن نصرالله الى «وضع الخلافات جانباً» والتضامن مع غزة في المحنة التي تواجهها جراء الإعتداء الاسرائيلي العريض عليها.

ومع أنّ الدعوة الى وضع الخلافات جانباً قد تأخرت فمن الأفضل أن يأتي الأمر متأخراً من ألاّ يأتي أبداً.

وليت سماحته عمل في سبيل وضع الخلافات جانباً من قبل أن تتفاقم الأمور والأزمات وتتعقّد الحلول… ليته لم يُبقِ البلد من دون حكومة أكثر من عشرة أشهر بسبب ذلك الشرط العرقوبي الذي تمسّك به على قاعدة 9+9+6 مضيفاً بلغة التهديد المشفوع بالاصبع المرفوعة في وجه أخصامه: اقبلوا بهذه المعادلة اليوم لأنكم لن تحصلوا عليها في المستقبل…

وطبعاً كانت النتيجة معروفة، تراجع سماحته عن شرطه وقبِل بالحكومة الحالية التي أدّى تأخر تأليفها الى مرور وقت قاتل استهلك المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية… ما أسهم في الوصول الى الفراغ الذي يعيشه لبنان في هذه المرحلة التاريخية الحاسمة من تاريخه وتاريخ المنطقة برمتها… وهنا نتفهم مرارة سيّدنا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي لملء الفراغ الرئاسي سريعاً خصوصاً وأنّ الرئيس اللبناني هو الرئيس المسيحي الوحيد في هذه المنطقة، والأمر يتخذ أهمية قصوى في مرحلة يتعرّض المسيحيون في الموصل الى ما نعرف جميعاً. ونذكر أنّه فيما كان أمين عام «حزب الله» يصعّد موقفه انبرى الرئيس سعد الحريري الى «وضع الخلافات جانباً» بالفعل لا بالقول وحسب، فوافق على المشاركة في الحكومة مع «حزب الله» من دون انسحاب ميليشيا الحزب من سوريا، عاملاً، فعلاً، على ربط نزاع مع السيّد نصرالله، ما لا يعني التخلّي عن الخلافات وإنّـما تجاوزها موقتاً سعياً لإنقاذ البلد من فراغٍ كان يمكن أن يكون شاملاً.

علماً أنّ ما كان الحريري وفريقه ولا يزالان يطالبان به لجهة سحب «حزب الله» قواته من سوريا هو في مصلحة الحزب أولاً بأوّل وطبعاً في مصلحة لبنان، ذلك أنّ هذا التورّط في سوريا كانت له نتائج مأساوية مفجعة على لبنان عموماً وعلى الحزب تحديداً لجهة هذا العدد الهائل من الشباب الشيعي الذين يسقطون في سوريا بينما كان الواجب والمنطق يقتضيان أن يكونوا صامدين في مواجهة العدو الاسرائيلي الذي يبدو أنّ الحزب قد نسيه أو تناساه…

إنّ لبنان اليوم في حاجة حقيقية ماسّة وملحّة الى وضع الخلافات جانباً… فالمنطقة تشتعل من حولنا بنيران قد يكون الهشيم اللبناني جاهزاً لاستقبال لهيبها والإشتعال معها، ولكن هذا لا يتم بقوة السلاح وفرض الشروط بالبندقية، إنّـما يكون بنظرة واعية الى أحداث الموصل، وأحداث غزة وأخذ العِبَر منها في تضامن وطني حقيقي يشكّل سداً منيعاً في وجه الرياح العاصفة بالمنطقة والتي باتت على حدودنا وربّـما تتهيّأ لتكون داخلنا…

ولا بدّ من أخذ هواجس المسيحيين اللبنانيين في الإعتبار والإهتمام، ذلك أنّ هناك أسباباً موجبة لتلك الهواجس في ضوء ما نراه في الموصل من اعتداء أثيم على المسيحيين ومقدساتهم وتراثهم وهم الراسخون في العراق المتجذرون في تلك المنطقة والذين لم يتعرّض لهم أحدٌ بالأذى منذ قيام الإسلام وتبدّل أنماط الحكم الاسلامي من أيام الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم الى الممالك وحتى جمهورية صدّام حسين… باستثناء هذه المرّة مع الحكم الشيعي عبر نوري المالكي الذي ينفذ أوامر إيران وبالذات قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني. ولا بدّ من كلمة أخيرة في هذا المجال: إنّ التضامن مع مسيحيي الموصل لا يكون بارتداء قميص «ن» نون كما فعل النائب آلان عون في مجلس النواب ولا بالتصريحات العنترية كتلك التي أدلى بها الوزير سجعان قزي.