نصرالله خلط بين «الصمت» و«الكلام» لإيصال رسائله الداخليّة والخارجيّة..؟ حزب الله لا يهمل «الرسائل» الأميركيّة ولا يغرق في «الأوهام» : هذه «خارطة الطريق» معادلة «الملايين» في مواجهة معادلة «الصفر» تقطع الطريق أمام «الإغراءات» ..
خلط الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الاخير بين استراتيجتي «الصمت» «والكلام المباح» لايصال رسائله الداخلية والخارجية، فاختار السكوت حول مسألتين لا تحملان صفة «الاستعجال ترتبطان بكلام البطريرك بشارة بطرس الراعي حول العملاء، والتسريبات الاسرائيلية حول الجليل، فكان «الصمت » فيهما ابلغ من الكلام، فيما جاءت معالجته الصريحة لملفي الانتخابات الرئاسية وكلام جون كيري «السوري » من بيروت لتقطع شكوك الكثيرين باليقين.
اوساط مقربة من الحزب تلفت الى ان السيد نصرالله كان حريصا على التأكيد ان حزب الله لم يغرق في بحر من «الاوهام » ولم يصعد «البخار» الى «رأس» قيادته بعد دعوته من قبل وزير الخارجية الأميركي جون كيري من خلال كلمة مكتوبة لا تقبل «التأويل»، للانخراط في عملية التسوية السياسية للازمة السورية، ولذلك لم يتأخر في الرد «المباشر» على هذه الدعوة، لكنه وضعها امام اختبار للمصداقية انطلاقا من شرطين اساسيين الاول القبول بشرعية الرئيس السوري بشار الأسد بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية، والشرط الثاني يتمثل بوقف دعم «التكفيريين»، وبعدها للبحث صلة..
وبحسب تلك الاوساط، فان السيد نصرالله وضع معادلة «الملايين» في وجه معادلة «الصفر» التي تحدث عنها كيري في بيروت، وبمعنى آخر اراد افهامه ان التمسك بمعادلة انكار الوقائع يعني انه «مش ماشي الحال»، واي حديث جدي لانهاء هذا الصراع لا يمكن ان يمر الا من خلال الاعتراف بالنظام القائم كجزء من الحل وليس باعتباره «المشكلة».
والاهم من ذلك فان موقف نصرالله تقول الاوساط جاء ليقطع اي انواع من التأويل حول امكانية استجابة الحزب «للاغراءات» الاميركية، فاذا كان كيري يريد ايصال «رسائل» من نوع ان ادارته مستعدة للتعاون مع الحزب في «نقاط» الالتقاء الموضوعية بينهما والمتمثلة في الحرب التي يخوضها الطرفين ضد تنظيم «القاعدة» والحد من تمدده في المنطقة، فان السيد كان واضحا في شرحه للهوة الكبيرة التي تفصل بين ما تريده واشنطن في سوريا وبين استراتيجية الحزب هناك، ولذلك طالبهم بالتحاور مع الأسد مباشرة، او عن طريق «صديق».
وهذا يعني بوضوح، ان الحزب تضيف الاوساط ليس في وارد الدخول في «صفقات» جانبية لا يريد منها الاميركيون سوى مصالحهم، ومن هنا كان الاصرار من قبل السيد نصرالله على وضع «خارطة طريق» واضحة وعلنية ستفضي في نهاية المطاف الى اختبار حقيقة النوايا الاميركية واستكشاف مدى جديتهم ازاء هذا الطرح اللافت في توقيته ومضمونه، خصوصا ان كافة المراقبين في الداخل والخارج يعرفون ان ما قاله كيري لم يكن زلة لسان، فرغم توضيح مسؤول في الخارجية الأميركية لاحقا بأنه اعادة لموقف سابق، لكنها المرة الأولى التي يخاطب فيها الوزير «حزب الله» بهذا الشكل ومن قلب العاصمة اللبنانية والسراي الكبير. وفي المرات السابقة كان كلام كيري حول «الانخراط» موجهاً الى روسيا اما اليوم فقد وسع الدائرة لتشمل ايران وحزب الله، وهذا الامر له دلالات ديبلوماسية واستراتيجية كبيرة لا يمكن ان يتجاهلها الحزب، ولكنه في الوقت نفسه يتعامل معها «بحذر» ووفقا لشروط موضوعية تجعله غير معني بتقديم اي تنازلات مطلوبة اليوم من الجانب الاميركي.
وفي الملف الرئاسي تقول الاوساط، حرص السيد نصرالله على التوجه الى السعودية وليس الى الفريق الاخر في لبنان، ودعوته قوى 14 آذار الى عدم انتظار الخارج كان «رسالة» واضحة الى المملكة «لتفرج» عن «الاستحقاق الرئاسي» ولا تنتظر تنازلات ايرانية في هذا الملف الذي بات خارج اي «صفقات» يفترضها السعوديون ولن تأتي ابدا. فالاجدى اذا البدء في البحث عن «مخارج».
اما لماذا غيّب السيد نصرالله عن خطابه موقف الكاردينال بشارة الراعي من ملف العملاء، والتسريبات الاسرائيلية حول سيناريوهات دخول المقاومة الى منطقة الجليل، فتعيد تلك الاوساط ذلك الى اسباب مختلفة، رغم ان القاسم المشترك الوحيد بينهما انهما لا يغيران من الوقائع شيئا، وبالتالي لا يصنفهما الحزب ضمن خانة الملفات «الطارئة» التي تحتاج الى معالجة فورية ومستعجلة.
فبالنسبة للكلام البطريركي يبقى موقف الراعي في اطار التصريحات الاعلامية على حدّ قول الاوساط التي لم تتخذ اي بعد عملاني يمكن ان يترجم هذه «القناعات» الى وقائع، فهؤلاء العملاء متمسكون بعمالتهم وهم اصلا لا يريدون تسوية اوضاعهم، ويبقى السقف الذي يرعى ملفاتهم هو القانون اللبناني وورقة تفاهم كنيسة مار مخائيل مع التيار الوطني الحر، ولا احد يطرح مخارج مختلفة تستأهل الدخول في معركة هي غير موجودة اصلا، ولذلك ليس في نية الحزب ان «يخترع» واحدة للدخول في مواجهة لا يريدها مع الكنيسة المارونية التي تتحمل وحدها مسؤولية «قناعاتها» امام الرأي العام، واذا كانت مشكلة الكاردينال الراعي في هذا الملف مع القوانين اللبنانية المرعية الاجراء، فان الحزب غير معني في الدخول في مواجهة ليس طرفا فيها، وما لديه قاله مباشرة في الصرح البطريركي، وهو يعرف ان الكثيرين يشعرون «بالغيظ» لانه لم ينزلق الى مواجهة اعلامية مع الكنيسة، وهو يعرف ايضا ان الكثير من «حبر» البيانات كانت مجهزة للدفاع عن الراعي في مواجهة «حملة» حزب الله المفترضة، وما يحصل في لاسا من تزييف للوقائع خير دليل على استنتاجاته، لذلك اختار «الصمت» في قضية لا يحتاج فيها الى الكلام، فما يهمه في هذا الاطار الوقائع وهو لا يحتاج الى مواجهة مع «طواحين الهواء» كما يفعل غيره ممن «يشتري المشكل» ليشعر الناس بوجوده.
اما الملف الثاني، فلم يجد السيد نصرالله نفسه معنيا تقول الاوساط بتطمين اسرائيل التي تعمد بين الفينة والاخرى لاطلاق «بالونات» اختبار لجس نبض حزب الله ودراسة ردود افعاله على تسريبات مدروسة يجري ضخها في وسائل الاعلام الاسرائيلية، لمحاولة فهم طبيعة ادارة المقاومة لما تسميه اسرائيل بـ «الحرب الثالثة»، واذا كان الجيش الاسرائيلي ومختلف اجهزة الاستخبارات مقتنعة من خلال التجارب السابقة ان استراتيجية حزب الله في الماضي كانت تقوم على ثلاثة مبادىء اساسية هي اطالة فترة الحرب، اصابة الجبهة الداخلية الإسرائيلية بواسطة كميات الصواريخ الهائلة والمتنوعة، وبناء قدرات عسكرية دفاعية لتأخير تقدم الجيش الاسرائيلي، فان اكثر ما يقلق اسرائيل الان هو معرفة الاستراتيجية الجديدة لدى حزب الله بعد التغيير البنيوي الذي طرأ على هيكليته العسكرية بعد مشاركته في الحرب السورية. وهي تريد ان تعرف اذا ما كانت «مشاركة حزب الله في الحرب السورية قد قربته من تبني المفاهيم الهجومية في الحرب ضد إسرائيل؟. هل سيبادر الى شن هجمات والسيطرة على أراض في الجليل واستهداف مواقع نوعية؟ وهل «المناورة» التي جرت قبل مدة تعني ان الاستعدادات والجهوزية باتت تامة لتنفيذ الخطط العسكرية الهجومية في حال اندلاع الحرب؟ ام ان الحزب يخادع ويناور لمنع وقوع المواجهة؟
طبعا هذه الاسئلة الاسرائيلية «الحائرة» مردها الى غياب المعلومات حول ما يدور على الجانب الاخر من الحدود بعد ان نجحت المقاومة في «تجفيف» منابع التجسس وبؤر العملاء، والضخ الاعلامي الاسرائيلي لن يقدم او يؤخر شيئا من الوقائع التي ستبقى جزءا من «المفاجآت»، ولذلك لم يجد السيد نصرالله نفسه معنيا في خوض غمار تكرار «معادلة» اختار توقيتا يناسبه للاعلان عنها، ويدرك الباحثون عن «التفاصيل» في الجانب الاخر انهم لن ينجحوا في استدراج رجل يعرف جيدا كيف يستخدم الحرب النفسية للتسويق لوقائع موجودة، و«الصمت» هنا جزء من المعركة.