Site icon IMLebanon

نظام الأسد يمهّد لبيع درعا لإسرائيل

 

 

في زيارته الأخيرة إلى دمشق، حمل ما يسمى بـ«وفد المجلس الأردني للشؤون الخارجية لتنظيم الدبلوماسية الشعبية» برئاسة ناهض حتر، دراسة أعدها أحد مراكز البحث التي يهيمن عليها أنصار النظامين الإيراني والسوري في عمان، تكشف المزاعم عن نية إسرائيل إقامة مشروع دويلة في الجنوب السوري، وتحديدا على امتداد محافظة درعا وبعض أجزاء من القنيطرة، تشبه من حيث الوظيفة والدور، دويلة جنوب لبنان التي أنشأتها إسرائيل أثناء احتلالها للجنوب اللبناني، وذلك بهدف إشغال حزب الله، الذي سيكون على تماس مع حدود هذ الدويلة من جهة جبل الشيخ، أو من أجل إلهاء دمشق بصراعات دائمة مع هذا الكيان الجديد.

أبعد من ذلك، ذهبت التحليلات الرديفة والمفسرة لهذه الدراسة إلى محاولة تزخيمها بمزيد من المعطيات غير الحقيقية، مثل تجهيز البنية القتالية لهذا الاحتمال القادم عبر تدريب الآلاف من العناصر في معسكرات أردنية، تحديداً في منطقة المفرق، وإرسالهم عبر المثلث الحدودي السوري- الأردني الإسرائيلي، من معبر الحمة إلى الجولان، وتجميعهم في مناطق جنوب غرب درعا، وتأمين إحتياجانهم اللوجستية كاملة من ذخيرة واتصالات، تمهيدا لفتح خطوط إمداد كاملة يجري وصلها مع القلب العسكري الإسرائيلي!، علما أن أبناء المنطقة يعرفون أن شريط نهر اليرموك الفاصل بين درعا والأردن والممتد من تل شهاب حتى الحمة هي مناطق محررة من قبل الثوار ويستطيعون العبور من خلالها إلى الأردن وسوريا دون الحاجة لسلوك طريق الجولان الالتفافي والبعيد؟.

بالطبع يشكل هذا الطرح إحدى تجليات حلف الممانعة وشطحات إستراتيجييها الموزعين بين بيروت ودمشق وعمان وطهران، ولا نستثني من شرفه، بعض مراكز القاهرة الفكرية والبحثية التي لا تفك تجاهر بعدائها للثورة السورية، وبزعمها لقومية بشار الأسد وداعميه من حزب الله وسواه من الأحزاب اليسارية والقومية، وللوهلة الأولى يبدو أن هدف مثل هكذا مزاعم هو إعادة بعث الحياة لما يسمى حلف المقاومة بعد انكشاف أوراقه كاملة في سوريا، وتهافت حقيقة دعاويه القائمة على زعم مقاومة إسرائيل والتصدي لمشروعها في المنطقة.

وفي التكتيك السياسي، قد يقرأ المرء من هكذا سياق يراد صناعته من العدم وتظهيره إعلاميا، محاولة لتبرير أفعال النظام والحلف المؤيد له تجاه السوريين الثائرين ضده، من قتل وتدمير للمدن والأرياف وتهجير الملايين، ذلك ان هذا الحجم من الإرتكابات يحتاج إلى معادل موضوعي يبرره، وليس أفضل من مثل هكذا اختراع، حيث يصبح القتلى مجرد عملاء للعدو الطامع بالديار والمهدد لكرامة الأمة وشرفها، بذلك لا يكتفي النظام بتبرير أفعاله السابقة، ولكن يمنحه هذا الاختراع فائضا تبريريا إضافيا لقتل المزيد من البشر وهدم ما تبقى من الحجر.

والملاحظ هنا أن التقديرات التي إنبنت عليها تلك الإدعاءات بالأصل على مؤشرات ضعيفة، مثل زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهو لأحد جرحى الثورة السورية في المستشفيات الإسرائيلية، وهي حالات فردية لا تشكل سياقا عاما، وقد يكون تصرفا فرديا غير منسق، أو حتى لأشخاص مدنيين تعرضوا لإصابات قرب خط الحدود الدولية أو أثناء احتماءهم بمقرات الأمم المتحدة المنتشرة على طول الحدود بين الطرفين، كما أن تلك الحادثة اليتيمة التي تظهر معايدة نتياهو للجريح السوري تعكس رغبة إسرائيلية بإيصال رسالة للعالم عن إنسانية إسرائيل تجاه من يفترض أنهم أعداءها.

في الواقع القضية ليست كما يحاول تصويرها حلفاء نظام الأسد ودهاقنته الإستراتيجيين، المسألة لها أبعاد أكثر خطورة من ذلك بكثير، هي محاولة بأبعاد مزدوجة يطمح هؤلاء إلى تحقيقها، فهم يهيئون المجال لإسرائيل للقيام بمثل هذا الإجراء، أي احتلالها للمنطقة الجنوبية، وخاصة الزاوية التي تقع بين حدود الأردن والجولان، والتي تقع بين حدي نهر اليرموك ووادي الرقاد، وتمتد من جاسم والحارة شرقا حتى معرية غربا، وللنظام من وراء ذلك أهداف عديدة:

أولا: إدراك النظام استحالة إيتعادة تلك المنطقة عسكريا، وذلك بالنظر لوعورتها وكثافتها السكانية الكبيرة، ولعدم قدرته على تحقيق إنتشار عسكري مناسب فيها، وحرمانه من إمكانية استخدام سلاحة الجوي لتداخلها الكبير مع الجولان، وهي منطقة غير مفيدة عسكريا لضيق جبهتها وانكشافها، وبالتالي فإن أي عمل عسكري فيها سيتطلب جهدا لا يستطيع جيش بشار الأسد توفيره في هذه الظروف ولا حتى في ظروف أخرى، فضلا عن أن المنطقة قد تشكل مركزا لتجميع وإعداد قوات الثورة من اجل تنفيذ هجوم على دمشق واختراق تحصيناته جنوب دمشق، لذا فإن من شأن احتلالها من قبل إسرائيل إراحته من كل تلك الهواجس والاحتمالات، ومن جهة أخرى يستفيد من إمكانية حصول مقاومة من أبناء المنطقة ضد المحتل الإسرائيلي ما يبعد الأخطار المتوقعة من قبل أبناء المنطقة عنه.

ثانياً: يساعد هذا الأمر، في حال حصوله، على إجهاض الثورة السورية ضده، إذ يوفر له معطى جديداً وأمراً واقعاً مختلفاً يشكل عامل إحراج لكل من يثور ضده، وبالطبع النظام لا يخاف من اقتراب إسرائيل من عاصمته، فهذه مسألة لها قواعد لعب مختلفة يعرف النظام إجادتها واللعب بها، وثمة هوامش للمناورة يمكن اللعب ضمن مساحاتها، من ضمن تلك القواعد ضمان الحدود الجديدة لإسرائيل وعدم السماح بالمس بها، كما حصل في الجولان على مدار أربعين سنة، ومن ضمنها أيضا استدعاء الشريك الروسي للضغط على صديقهم الإسرائيلي بعدم إحداث تغييرات بنيوية عميقة في الحدث السوري.

ثالثاً: إحراج الحكم الأردني وزيادة حالة الاعتراض الشعبي ضده، وربما التمهيد لحدوث ثورة، وبهذا يحقق حلفاء الأسد الأردنيين هدفهم بالانتقام من نظامهم عبر البوابة الحورانية. ويتخلص الأسد من التهديدات القادمة من الأردن.

ليست بعيدة عن حلف الممانعة مثل تلك الانحرافات، فالحلف الذي بدّل طريقه من القدس إلى يبرود، لن يصعب عليه تسليم حوران لإسرائيل في سبيل الترويج لبضائعه الكاسدة، فعناصر الأرض والسيادة بضاعة صالحة للبيع والشراء، وخاصة إذا كان المشتري إسرائيلياً، وإذا كانت المنطقة خزان مياه وأرض صالحة للزراعة تساوي الأرض التي تقبع عليها إسرائيل نفسها. فقط ما هو غريب أن يحتاج الأمر إلى مراكز دراسات بحثية لتحقيقه، المفترض ان يقوم بذلك الطرف الأخر!.