Site icon IMLebanon

نظرية «مؤامرة باريس»

ينقل أحد السياسيين العائدين من سلسلة لقاءات لبنانية وعربية وأوروبية في باريس، رواية مغايرة تماماً لكل ما أشيع عن مضمون المباحثات والمفاوضات التي شهدتها العاصمة الفرنسية في غضون الأسبوعين الماضيين. يقول إن مسألة اختيار رئيس جديد للجمهورية، وتحديداً موضوع التوافق على اسم ميشال عون أو عدمه، لم يطرحا إطلاقاً في اللقاء الذي جمع كلاً من سعد الحريري بفؤاد السنيورة وسمير جعجع.

يجزم السياسي نفسه أنها لم تكن مصادفة أن اللقاء الثلاثي المذكور ، كان يتم في شكل متزامن مع لقاءات ثنائية مع وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، ومع وجود وليد جنبلاط في باريس. ليشرح بأن اجتماع الحريري ــــ السنيورة ــــ جعجع خصص للبحث في جزئية متفرعة عن ملف الاستحقاق الرئاسي لا غير. عنوانها ما هو الإخراج المثالي الممكن لعدم تأييد عون كمرشح رئاسي؟

يقول السياسي العارف إن موضوع البحث هذا فرضته اعتبارات سعد الحريري شخصياً، في ضوء العلاقة المستجدة بينه وبين عون منذ كانون الثاني الماضي. وهو يزعم أن الحريري طرح على ضيفيه التمرين الذهني والسياسي التالي: لا يمكننا تأييد الجنرال مرشحاً رئاسياً. وهذا الرفض محسوم سعودياً على كل المستويات في الرياض. لكننا في الوقت نفسه، لا يمكننا أن نكون نحن، ولا أنا خصوصاً، من يبلغه بهذا الأمر. وذلك للأسباب التالية: أولاً، إن قولنا لعون إننا ضد ترشحه وضد انتخابه، سيدفعه إلى تصليب تحالفه مع حزب الله وإلى زيادة ارتباطه به وإلى التشدد في التماهي السياسي معه. وهذا ما نراه خطراً كبيراً علينا تجنّبه. لا بل إنه المحذور الأول الذي دفعنا منذ البداية إلى فتح قناة الاتصال بعون، بهدف جذبه نحونا وإبعاده عن حزب الله. ومنذ اللحظة الأولى كان تقديرنا أن زيادة المسافة بين الرابية والضاحية ولو بوصة واحدة، تعتبر إنجازاً يستحق المحاولة.

ثانياً، لا يمكننا نحن كفريق سني تحديداً، إبلاغ عون بأننا ضده في معركته الرئاسية، لأن لخطوة كهذه تداعيات سلبية عدة علينا. منها أن عون سيبادر إلى استثمار موقفنا هذا في الشارع المسيحي. رافعاً مجدداً مقولة «السنية السياسية»، وأن الزعامة السنية هي من يفرض فيتو على الزعامة المسيحية، وأن السني هو من يملي هوية الرئيس الماروني… إلى آخر معزوفة الاستثمار المذهبي والطائفي المعروفة. وهذا ما قد يسمح له باستثمار مسيحي شعبي كبير على حسابنا وعلى حساب حلفائنا. وهو ما سيبرع عون في تحويله من نكسة رئاسية إلى انتصار شعبي مسيحي. وقد لا تتأخر الاستحقاقات في ترجمة ذلك سياسياً. فالانتخابات النيابية قد تكون على الأبواب. ويمكن لواقع من هذا النوع أن يكرر «تسونامي» العام 2005 عونياً ومسيحياً. فكيف إذا كانت لهذا التداعي بالذات، نتيجة سلبية مماثلة على صعيد علاقتنا ببكركي، التي يجب أن نحرص كل الحرص على التقرب منها وجعلها أقرب إلى حلفائنا المسيحيين وأبعد من خصومنا في تلك الساحة. فضلاً أخيراً عن الإحراج الذي يمكن أن نسبّبه لحلفائنا هؤلاء بالذات، إذا ما ظهر أن المكوّن السني في فريقنا هو من يفرض رأيه في الاستحقاق الرئاسي، وهو من يستبعد المرشح المسيحي الأقوى لهذا الموقع.

ثالثاً، يتابع السياسي نفسه قراءته «المعلوماتية ــــ التحليلية» عن اجتماعات باريس، اعتبر سعد الحريري أن لا مصلحة له ولا لفريقه «المستقبلي» إطلاقاً بإبلاغ عون برفض تأييده رئاسياً. وذلك من أجل إبقاء قناة الاتصال معه مفتوحة، ومن أجل الحرص على عدم قطع سبل التواصل والتعاون القائمة بين الطرفين. فبحسب التقويم الحريري، حققت العلاقة بين «التيارين»، طيلة الأشهر الخمسة الماضية، مكتسبات كبيرة وواضحة لصالح الفريق الأزرق: تشكيل الحكومة بأكثرية حريرية مطلقة وأقلية واضحة لخصومه، نسفت كل معادلة الثمانيات الثلاث السابقة. القبول بتركيبة حكومية قائمة على صقور الحريريين وحمائم المنافسين. وصولاً إلى التعيينات الإدارية المختلفة بأرجحية حريرية كبيرة. وانتهاء بحسم مرجعية القرار المالي والاقتصادي للحكومة بكل ملفاته، لدى فؤاد السنيورة. كما تجلى في ملف سلسلة الرتب والرواتب. مكتسبات لا يمكن التغاضي عنها، ويعتبر الحريري أنها مرشحة للتراكم والازدياد، طالما أن العلاقة بين بيت الوسط وبيت الرابية مفتوحة. ما يفرض مصلحة أكيدة في عدم العودة إلى مراحل التجاذب والتعطيل والشلل والفيتوات المتبادلة.

لهذه الأسباب الثلاثة، بكل عناوينها الفرعية وتفاصيلها التفصيلية، يقول السياسي نفسه، إن سعد الحريري أبلغ ضيفيه أن مسؤولية إبلاغ عون عدم السير به رئيساً، يجب أن تقع على سواه. دارت المباحثات انطلاقاً من هذه المعطيات الأولية. واتجه النقاش صوب فكفكة تلك المعضلة على قاعدة الفرضيات السابقة. حتى تبلور الحل التالي: أولاً، يلتزم الفريق الحريري صمته حول موضوع ترشيح عون. ثانياً، يتابع هذا الفريق نقل الرسائل الإيجابية إلى الرابية، مباشرة او مداورة، عبر الحزبيين أو الوسطاء أو الزوار من دون استثناء. ثالثاً، يتولى المسيحيون ضمن فريق 14 آذار نقل كلام موحد عن لسان الحريري، مفاده أن الرجل طرح عليهم اسم عون كأحد المرشحين الوفاقيين. وذلك من أجل تعزيز نظرية الانفتاح الحريري ــــ العوني، ولو على حساب ماء وجه الحلفاء المسيحيين للفريق الأزرق. رابعاً، يتطوع سمير جعجع شخصياً، وبحماس كبير، إلى إعلان أنه هو من رفض تأييد عون. بحيث تحقق هذه التوزيعة كل الأهداف المذكورة سابقاً. أُقر السيناريو بالإجماع، وانطلق الجميع فوراً إلى تنفيذ أدوارهم فيه، يقول السياسي نفسه…

مسألتان اثنتان ظلتا معلقتين: أولاً كيف يمكن تنفيذ هذا المخطط من دون الوصول إلى شغور رئاسي؟ وثانياً، هل يمكن لسيناريو كهذا أن يتقاطع مع الحسابات الرئاسية الحقيقية والمكتومة لحزب الله؟ مسألتان تقتضيان أن تكون للحديث صلة…