Site icon IMLebanon

هاشم السلمان شهيد.. على عصر الظلاميين

 

«Hashem Alsalman، May 31.2013، ويسألونك «شو تاريخك؟؟»، نحنا تاريخنا ما في قطرة دم، بس انت تاريخك وحاضرك ومستقبلك دم بدم أيها المجرم».

هذا «الستاتوس» كان الأخير الذي كتبه شهيد الحرية الشاب هاشم السلمان، رئيس الهيئة الطالبية في حزب «الإنتماء اللبناني»، على صفحته الخاصة على «الفايسبوك» قبل أن تغتاله «القمصان السود» أمام السفارة الإيرانية في بيروت ظهر الأحد 9 حزيران 2013. قُتل هاشم، لم يتم تفجيره، ولا قضى بعبوة ناسفة، ولا بسلاح صيد.. أُطلقت النار عليه من سلاح حربي، ظهر وجه القاتل على الشاشات وفي صور الصحف، لم يُسمح لأحد بالإقتراب منه، ولا سُمح لأهله ورفاقه بإنقاذه. تُرك هاشم ينزف على قارعة الطريق، مضرّجا بدمائه، بيده العلم اللبناني. لم يكتفِ القَتَلَة بإطلاق ثلاث رصاصات عليه، احتجزوه أيضاً ومنعوا وصول سيارات الإسعاف لنقله إلى المستشفى لأكثر من 30 دقيقة، كان يمكن أن تكون كافية ربما لإنقاذ حياته. مات وفي عينيه آخر طيف من عاصمته: المجرم.

صغير البيت

قبل عام كانت يوميات هاشم مثقلة بالضحك والسهر واللهو والعمل. هو صغير البيت كان يمضي كل أوقات فراغه مع أبناء أخته وأخيه، وهو يمضي غالبية الوقت مع أخيه فادي كون هاشم كان يدير شركة تجهيزات للمسابح يملكها شقيقه الذي ربّاه بعد وفاة والدته وهو لا يزال طفلا. «كان هاشم يساعد كل أخوته في أعمالهم» يقول فادي. لكنّ هاشم ابن الـ 29 ربيعا لا يزال في نظر إخوته طفلا مدلّلا، لم يمضِ يوم منذ اغتياله حتى اليوم لم يذكره فيه كلّ منهم على صفحات التواصل الإجتماعي حيث تخبر أخته رولا كل يوم قصّة عنه، ولم يبخل عليهم أصدقاؤهم بإبداء تعاطف وتمنيات بكشف الحقيقة في القريب العاجل.

بالصوت والصورة: صورة القاتل والمعتدين وصوت الرصاص وعصي عناصر الميليشيات ظهرت بشكل فاقع، لكنّ أحدا من هؤلاء لا يملك الشجاعة للإعتراف بالجريمة. فهل فعل هاشم ما يستحق القتل؟ هل كان سيهدم السفارة الإيرانية بالعلم اللبناني؟ هل كان ممنوعا عليه أن يعبّر عن رأيه دفاعا عن أطفال سوريا؟ الصورة لا تغيب عن ذهن اللبنانيين، وكيف تغيب حين «يُبرر» قتله «هاشم قُتل مظلوما» و«بعفوية»، في حين أنه قُتل عن سابق تصوّر وتصميم! صورة أخرى لا ينساها اللبنانيون: رجال أمن السفارة الإيرانية يوم التفجير المزدوج، حينما كتبت وسائل الإعلام: «تبين أن بعض المتورطين في الاعتداء على هاشم السلمان ورفاقه قد قضوا بالتفجير، الأول لم يُعرف اسمه، الثاني هو مسؤول أمن السفارة والمنتمي الى «حزب الله» الحاج رضوان فارس (الحاج رضا) من مدينة صور».

«خلقت حرّ»

ربّما قليلون هم من يعرفون بأن هاشم كان دوما يدافع عن لبنان ويتظاهر مع رفاقه من أحزاب ثورة الأرز ضدّ النظام الأمني اللبناني – السوري الذي كان يحتل لبنان حتى العام 2005. لكن «نجم» هاشم سطع اكثر بعد استشهاده، هاشم تظاهر أيضا في 7 آب مع شباب لبنان ولم يكن ينتمي الى أي حزب، كما شارك في حشد 14 آذار بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري مقدّما وردة بيضاء للجيش اللبناني.. الشاب الحرّ كان حرّا منذ نعومة أظفاره، ففي عمر الثماني سنوات أنزل هاشم صورة عملاقة لأحد سياسيي قوى 8 آذار اليوم عن منزل أهله في الجنوب في فترة الانتخابات النيابية ورماها في الطريق، لأنه سمع اعتراض أهله على تعليقها.. وكان دوما يتعرّض للتهديد، لكنه لم يرضخ يوما وكان يردد: «أنا خلقت حرّ وبدي عيش حرّ ورح موت حرّ».

أكبر رجال

لم يكن هاشم يعبّر عن حرية التعبير تلك في التظاهرات فحسب، إنما بالكلمة والصورة على «الفايسبوك» أيضا. فقد صنع هاشم من صفحته الخاصة مساحة لإطلاق مواقف سياسية تظهر رأيه بكل صراحة ضمن ألبومات جمع فيها صورا عديدة لشهيد الجمهورية الرئيس بشير الجميل مكتوب عليها «ونبقى»، وأضاف إليها جُملاً منها «الله يرحم ترابو ويبعتلنا رئيس متلو، مع إنو بعرف إنو كتير صعبة، بس الله كبير»، وكان يدعو الى المشاركة الكثيفة في ذكرى اغتياله. صور أخرى تجمع الجميّل مع رئيس مجلس النواب في عهده كامل الأسعد كتب فوق إحداها «أكبر رجال بتاريخ لبنان».

صفحة أخرى أنشأها أصدقاء هاشم تحت عنوان «هاشم السلمان- الشيعي المستحيل». وفي توصيف الصفحة كتبوا «عشرون دقيقة من النزيف العادي تحت شمس تجاهلنا الفاقع تقفل علينا باب الأمل وتعلن أننا دخلنا في زمن القتلة.» صور هاشم تستقطب الكثير من التعليقات: «ليس كل الشيعة ينتمون الى «حزب الله»، «هاشم السلمان شيعي تم قتله بدم بارد»، «ارحلوا فوراً عن بلادنا يا قَتَلَة».

قمصان سود في عدلون

لم يكتفِ أصحاب القمصان السود بقتل هاشم، بل استكملوا ارتكاباتهم الميليشيوية يوم ووريَ في الثرى في بلدته الجنوبية عدلون. هناك تجمّع الممانعون من أبناء البلدة قبالة الأهل وهم يلقون النظرة الأخيرة على الشاب الشهيد، توجّه إليهم شقيقه فادي بالقول: «إذا كنتو زلم قوّصوني وحطّوني حدّ خيّي»، وهجم عليهم فهربوا. فالمجهولون إذاً ليسوا مجهولين تماما، فملابسهم يوم انقضّوا على هاشم وقتلوه تفضحهم وشارتهم الصفراء، هي نفسها التي ارتدوها يوم 7 أيار 2008 «المجيد». ألا تجيز حرية الرأي والتعبير لشاب شيعي متمرّد أن يقود تظاهرة ضدّ تدخّل حزب شيعي في سوريا؟ أيستحق الموت كل من ينتقد مشاركة الحزب في القتال السوري؟

«اختير» هاشم من بين 30 شاباً وشابة من عدلون اعتصموا أمام السفارة الإيرانية بدعوة من حزب «الانتماء اللبناني»، من دون أن يفلت رفاقه ورفيقاته من الضرب بالعصي من أصحاب القمصان السود. مع ذلك ووري الشاب الدمث والحنون في الثرى بهدوء، ما ينم عن ثقافة وعي تتحلّى بها العائلة الوفية لآل الأسعد، من الرئيس كامل الأسعد، إلى ابنه أحمد.

الثأر بالقانون والحق

كان هاشم يمضي وقتا طويلا في الجنوب، كان يهتم ببساتين الليمون والموز التي يملكها والده. يقول فادي «العائلة اختربت بعد غياب هاشم، اصبحت مفتتة، لقد كان يجمعنا كلنا». ويتابع «والدي مفجوع بموت صغيره كان الكلّ يهابه، واليوم عندما أنظر في عينيه أرى فيهما وجعا لا يوصف». ملف هاشم اليوم، بحسب ما يروي شقيقه، أصبح «عند أحد قضاة التحقيق في بعبدا»، ويضيف «سنورث حقّنا الى ولد الولد، لكن ليس بالثأر إنما بالقانون والحقّ، والحقّ عند الله لا يموت». لم يكن هاشم سندا للعائلة فحسب، إنما للمحتاجين أيضا، فقد كان يساعدهم من دون أن يخبر عائلته، وخلال العزاء اكتشفت عائلته بأنه كان يدعم عائلات محتاجة، قال أحدهم لفادي «تيتّمنا بعد هاشم، كان معيّشنا». ويبقى العمل الأحب الى قلب الشهيد «محاربة ظلم الميليشيات واستبداد السلاح والوصاية، هاشم لم يخفْ مرة من قول الحقيقة على الرغم من التهديدات التي كان يتعرّض لها»، يختم فادي.