الحوار يتأرجح بين سقفين
هذا ما يريده الحريري من عون
يستمر «الحوار الغامض» بين «التيار الوطني الحر» وتيار «المستقبل» موضع رصد ومراقبة من قبل القوى السياسية في فريقي «8 و14 آذار»، وهي قوى تتوزع بين من يرتاب في خلفيات هذا الحوار ومن يرتقب نتائجه حتى يُبنى على الشيء مقتضاه.
وليست الأطراف السياسية هي التي تنتظر فقط ما سيؤول اليه الحوار بين اللونين البرتقالي والأزرق، بل ان الانتخابات الرئاسية تبدو معلقة حتى إشعار آخر على حبل المغامرة التي يخوضها العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري، في ظل ما يشبه التفاهم أو التواطؤ الضمني بين معظم الأطراف على إعطاء هذه المغامرة فرصتها في بلورة إمكانية التوافق على انتخاب عون رئيساً، أقله لغاية 25 أيار، قبل الخوض جدياً في سيناريوهات ومسارات أخرى، إذا سقط خيار الجنرال.
لكن، أين أصبحت «المفاوضات» بين «المستقبل» و«التيار الحر»، وهل تملك فرصة حقيقية للنجاح، ام أن طريقها لا تزال وعرة ومتعرجة؟
تعتبر أوساط واسعة الاطلاع في «المستقبل» أن الرئيس سعد الحريري «لا يناور ولا يتسلى في الحوار مع عون، بل هو يخوضه بجدية تامة، على قاعدة أنه حوار تأسيسي لتنظيم العلاقة الثنائية على المدى الطويل، من دون ربطه حصراً بالاستحقاق الرئاسي».
وترى هذه الأوساط أنه «يجب عدم الافتراض أن الصفحة الجديدة التي فُتحت بين الحريري وعون ستُطوى أو ستتمزق حتماً، إذا تعذر التفاهم على الملف الرئاسي»، لافتة الانتباه الى ان «كلا من الجنرال ورئيس تيار المستقبل بات على قناعة بوجوب جعل العلاقة بينهما طبيعية، بالحد الأدنى، إذا لم تصل الى الحد الأقصى التحالفي».
وتعتبر أن «الحريري لا يستطيع أن يتجاهل الحيثية التمثيلية لعون في الساحة المسيحية وهو لا يجد أي مصلحة في تجاوزها وتهميشها، كما ان الجنرال أدرك أنه من غير الممكن القفز فوق الحجم التمثيلي للحريري في الساحة السنية، وأن هذا الموقع غير قابل للتعويض ببدائل هشة، كما ثبت بالتجربة الحسية، وبالتالي ليست هناك جدوى في مواصلة العداء العبثي للجزء الأوسع من الطائفة السنية».
وعلى قاعدة «الاعتراف المتبادل بالحجم والدور»، تستبعد الأوساط أن يبادر عون الى ردود فعل سلبية أو انفعالية ضد الحريري، وأن يعيد العلاقة معه الى نقطة الصفر مجددا، إذا لم ينل موافقة منه على دعم وصوله الى قصر بعبدا.
وتؤكد الأوساط المطلعة على مسار النقاشات بين الحريري وعون أن الأول لم يقدم للجنرال منذ البداية، أي وعد أو تعهد بدعمه للرئاسة، لكنه أبدى في الوقت ذاته كل الحرص على المضي في الحوار معه بعمق حول كل الملفات الخلافية الجوهرية.
وترى الأوساط البارزة في «المستقبل» أن عون يواجه تحديين أساسيين في سعيه الى بلوغ الرئاسة، هما:
ـ أن ينجح في تسويق ترشيحه لدى مسيحيي «14 آذار» وأن يحصل على عدم ممانعتهم في انتخابه، لأنه لا يمكن للجنرال أن يكون رئيسا قويا لكل لبنان، إذا دخل الى قصر بعبدا وهو على أزمة مع جزء أساسي من المكوّن المسيحي، لا سيما أن موقع الرئاسة يعني الكثير لهذا المكوّن.
وتشدد الأوساط على أن تيار «المستقبل» يجد في «التغطية المسيحية» لعون معبراً ضرورياً الى قصر بعبدا، مؤكدة أن التيار حريص على مراعاة الاعتبارات المتعلقة بحلفائه.
– أما التحدي الآخر المطروح على عون، فيتصل بالضمانات. وهنا، تتساءل الأوساط المقربة من دائرة القرار في «المستقبل» عما إذا كانت هناك ضمانات بأن يبقى عون بعد انتخابه منسجماً مع الدور الوفاقي الذي يطل من خلاله الآن، مشيرة الى أنه «ليس سهلا ولا بسيطا محو مفاعيل 20 سنة من السياسة الصدامية، بين ليلة وضحاها».
كما تتوقف الأوساط عند إشكالية تتصل بطبيعة العلاقة الراهنة والمستقبلية بين عون و«حزب الله»، ومدى قدرة الجنرال على إعادة ترسيم حدود السلاح، لا سيما أن هناك في فريق «14 آذار» من يعتقد أنه لا يمكنه أن يتخلى عن تحالفه الاستراتيجي مع الحزب، والمتوجبات المترتبة عليه.
وتؤكد الأوساط أن الواقعية تقتضي الإقرار بأنه ليس واردا ولا ممكنا الآن نزع السلاح الاستراتيجي أو «الإقليمي» للحزب، وأي طرح من هذا النوع حاليا غير موضوعي، لكن ذلك لا يمنع وجوب السعي الى الحد من تأثيرات هذا الواقع على الداخل اللبناني، ومعالجة سلاح الزواريب الذي يشكل تهديدا للاستقرار، على أن يُناقش كل ما يتصل بالمقاومة تحت سقف الاستراتيجية الدفاعية.
وتشير أوساط «المستقبل» الى أنه ليس للخارج بعد مرشحون للرئاسة، كاشفة عن أن السفير الأميركي في بيروت دايفيد هيل أبلغ بعض المسؤولين اللبنانيين أنه لا اتفاق مع السعودية بهذا الصدد، بل «تفاهم» على التشاور في ما خص الاستحقاق الرئاسي.
وتلفت الأوساط الانتباه الى أن الدينامية الداخلية للاستحقاق ستستغرق وقتا قبل أن تصل الى نتيجة، «أما إذا حصل توافق إقليمي – دولي على اسم رئيس الجمهورية، سواء كان عون أم غيره، فإن الرئيس سيستقل المصعد الى موقع الرئاسة مباشرة، من دون أن يتوقف في الطابق اللبناني»، مشيرة الى أن دعوة وزير الخارجية السعودي نظيره الايراني الى زيارة الرياض هي إشارة إيجابية على مستوى العلاقة بين البلدين قد تنعكس إيجابا على لبنان، لكن من السابق لأوانه الذهاب بعيدا في التفاؤل، قبل «تصفيحه» بتفاهمات واضحة.