الحريري يعتبر أن حمايته لا تتم بالحرس الشخصي
هذه هي «الرواية البرتقالية» لـ«ضمانات عون»
التقط خصوم العماد ميشال عون قوله بأنه مستعد لضمان الأمن السياسي للرئيس سعد الحريري من موقع «المسؤول» (أي رئيس الجمهورية)، كمن وقع على صيد ثمين، في صحراء الانتظار الثقيل.
لم يتأخر هؤلاء، الذين يحصون عادة أنفاس الجنرال، في الاستثمار السياسي على هذه العبارة، الى حد اتهام صاحبها بأنه يعرف هوية من يشكل خطرا على الحريري، ويحاول ان يقايض رئاسة الجمهورية بحياة رئيس تيار «المستقبل».
وعلى قاعدة هذا التفسير «الجنائي» لكلام الجنرال، خلص خصومه في «14 آذار» الى التأكيد أن حظوظ عون في الرئاسة باتت أضعف من أي وقت مضى.. بل هناك من ذهب أبعد من ذلك، ونعى كليا فرصه بالوصول الى قصر بعبدا، باعتبار أن الضمانة التي أبدى استعداده لتقديمها، وبالطريقة التي استخدمها، انما انطوت على استفزاز للحريري، من شأنه أن يصعّب «الحوار البارد» بينهما.
يبتسم المحيطون بعون عند استعادتهم ردود الفعل «المتوترة» على موقف الجنرال، من دون ان يعيروا الكثير من الاهتمام لمضمونها. بالنسبة الى البرتقاليين، قرار الحل والربط في ما خص الاستحقاق الرئاسي ليس بحوزة فريق «14 آذار»، بل هو في أيدي رعاته الخارجيين الذين يملكون «الكلمة الفصل» في نهاية المطاف، وبالتالي فإن المواقف الحادة التي تصدر عن شخصيات في هذا الفريق لا تقدم ولا تؤخر في تحديد وجهة الاستحقاق، متى دنت لحظة الحقيقة.
ووفق المعلومات المتوافرة لدى بعض المقربين من الرابية، فإن ما أورده عون حول «ضمان» الأمن السياسي للحريري من أجل تسهيل عودته الى لبنان، لم يأت من فراغ ولم يكن وليد مبادرة ذاتية منه، بل جاء في سياق النقاش الذي دار بينه وبين الحريري، خلال لقائهما الشهير في باريس. وبناءً عليه، يعتبر المطلعون داخل فريق الجنرال أن تعمد اجتزاء موقفه وعزله عما سبقه وتلاه، ليس سوى تحوير للواقع والوقائع.
وتبعا لما ينقله «الرواة»، فإن الحريري هو الذي أثار مسألة رجوعه الى لبنان وما تتطلبه من ظروف ملائمة، لافتا انتباه الجنرال الى انه يريد العودة، «لكن مهما كان عدد الحرس الشخصي من حولي، فهذا لا يشكل ضمانة..»
هنا، بادر عون – كما يسرد الرواة – الى إبلاغ الحريري أنه جاهز في حال توليه سدة المسؤولية أن يؤمن له الحماية المتصلة بالأمن السياسي، مؤكدا أنه سيبذل جهده في الوقت ذاته لإجراء مصالحات وطنية لتأمين حماية أوسع للبنان كله.
ونظرية «الأمن السياسي» في مفهوم البرتقاليين لا تقتصر على منح الحريري ضمانات شخصية، بل هي أشمل من ذلك، وتندرج في سياقها حكومة الوحدة الوطنية الحالية التي شُكلت والخطط الأمنية التي نفذت، وهذا مسار يجب أن يُستكمل بانتخاب المسيحي القوي ميشال عون رئيسا للجمهورية، ما يتيح بعد كل هذه الخطوات إنتاج مناخ ضامن للاستقرار ككل.
ويميل المحيطون بعون الى التمييز بين مستويين داخل تيار «المستقبل»: الاول، هو المستوى المرن والمواكب عن قرب للحوار ويضم سعد وبهية ونادر وأحمد الحريري ونهاد المشنوق وغطاس خوري، ومستوى آخر هو «خارج التغطية» وليس ملماً بكل التفاصيل، وبالتالي لا يعكس في تشدده حقيقية توجهات سعد الحريري.
واستنادا الى تقديرات المقربين من الجنرال، فإن الحوار مع الحريري بلغ حاليا المعادلة الآتية: لا عودة الى الوراء.. ولا تقدم الى الأمام. وبهذا المعنى، يؤكد هؤلاء أن الحوار غير المباشر بين عون والحريري لا يزال قائما بإيقاع متفاوت، مستبعدين أن تؤدي المواقف الاخيرة للجنرال الى وقفه، وإن يكن قطع الامتار الاخيرة والحاسمة منه يحتاج الى قرارات جريئة لم تنضج بعد.
يدرك المقربون من الجنرال ان العقدة الاساسية أمام انتخاب عون لا تكمن في موقف الحريري القابل للتليين، بل في حسابات بعض الاتجاهات المتشددة داخل السعودية، حيث يشار بالاصبع هنا الى «الدور السلبي» لوزير الخارجية الامير سعود الفيصل الذي يمثل أحد أبرز الرموز الرافضة لوصول عون الى الرئاسة.
ومع ذلك، لا يزال عون يعتبر أن علاقته هي مع الحريري وليست مع مرجعيته الاقليمية، برغم معرفته ان زعيم «المستقبل» لن يدعمه ما لم يحصل على الضوء الاخضر من الرياض، وهو أمر يحتاج، برأي البرتقاليين، الى وقت إضافي في انتظار ان تتكيف السعودية مع فكرة إخفاق رهانها على إسقاط النظام في سوريا.