لا يغفل أحد الديبلوماسيين عندما يتحدَّث عن الشغور الرئاسي الإشارةَ الى حجم التوتر الذي ولَّده في أكثر من موقع وملف. فهو كان يتوقع ذلك، بعدما فشل وزملاؤه في إقناع اللبنانيين بانتخابِ رئيسٍ جديد قبل نهاية المهلة الدستورية مخافةَ أن تفلت الأمور من أيديهم. ما الذي أدّى الى هذه النتيجة؟
في جلسةٍ عُقدت في ضيافة أحد القادة المسيحيين وخُصِّصت للبحث في التطورات على الساحة اللبنانية والظروف التي قادت الى الشغور في قصر بعبدا، قال أحد الديبلوماسيين الذي كان على تماسٍ شبه يومي مع الأحداث ناصحاً ومرشداً: «إنّ كل ما توقعناه لما بعد 25 ايار قد وقع»، مضيفاً: «أسوأ ما اعتدتم عليه في لبنان قبولكم بتكرار التجربة نفسها مرات ثلاث في أقلّ من ثلاثة عقود». وذكر أنه «في العام 1988 أخطأتم في تجاهل أهمية أن يغادر الرئيس أمين الجميّل قصر بعبدا بلا أن يُسلّم خلفاً له، وكرَّرتم التجربة مرة أخرى فتعاظمت الخطيئة عندما غادر الرئيس اميل لحود من دون تسليم الأمانة، الى أن ارتقت هذه الخطيئة الى مرتبة الجريمة التي ارتُكبت في 25 أيار الماضي عندما غادر الرئيس ميشال سليمان القصر ليحلّ الشغور مرّة أخرى بلا أفق».
واللافت قال الديبلوماسي: «في كل مرة يتقلص هامش المناورة أمامكم. فلا يتوافر الحلّ إلّا على حساب فئة من اللبنانيين، والمسيحيين تحديداً، فهل تتذكرون كيف ملأتم الفراغ بعد «اتفاق الطائف» وبأيّ شروط؟ وما هي كلفتها؟ وهل تناسيتم الظروف التي قادت الى «تفاهم الدوحة» ونتائجه على الوضع الأمني والسياسي في بداية العهد الذي لم يكن ينقصه سوى اندلاع الأزمة السورية في منتصفه لتُلقي بتداعياتها الخطرة على لبنان وليس أقلّها أزمة اللاجئين؟ ومع هذا كلّه بقيَ النقاش بينكم في جنس الملائكة، فلم يُعر أحدٌ أيّ أهمية للمهل الدستورية، عدا عمّا نشهده من مظاهر الإستقواء بالخارج».
واستطرد الديبلوماسي: «الأخطر أن يتطوَّر القبول بما حصل الى ما يشبه الإستسلام الذي تلمّستُه في الأيام الأخيرة الماضية، وأنتم تنتظرون مبادرةً مفقودة من العالم، بحيث تكتفون بتوزيع وتبادل الإتهامات التي لا يمكن أن تؤدّي إلّا الى مزيد من التوتر والتشنّج. ألم تفهموا زيارة وزير الخارجية الأميركية جون كيري الذي جاء ليقول لكم العالم مشغول بغيركم والأزمة عندكم؟».
لم يتمكن عدد من الحاضرين مواجهة نظرية الديبلوماسي المحنّك، لمعرفتهم بالحقائق التي تناولها، فعادوا أدراجهم يتمعّنون في الجردة التي ألقى فيها الضوء على مآزق السلطتين التنفيذية والتشريعية، عدا عن المواقف التي باتت تُهدّد الإستقرار وتستدرج الفتنة. فالحكومة التي أنجزت ما أنجزته في وقت قياسي في الأمن، وملأت الشواغر في الإدارة في حين لم تتمكّن الحكومات السابقة من ملء مركز إداري شاغر أو تنفيذ خطة امنية وضعتها على رغم ما حشدت لها من قوى، باتت مهدّدة من داخلها وهي تبحث في سبل إدارة الصلاحيات الرئاسية التي انتقلت اليها وكالة، مع ما يرافق ذلك من تسريبات تُهدّد بالعودة الى ما قبل التعديلات الدستورية التي أُقرَّت في الطائف، ما يعني فتح البلاد على المجهول.
أما المجلس النيابي الذي فشل في انتخاب رئيسٍ جديد، فبات مهدّداً بالشلل التام ما لم ينتخب الرئيس العتيد وهو يواجه أزمةً حقيقيّة، بعدما لعب دوره التشريعي في فترة قياسية أعقبت التمديد لأعضائه، أصدر خلالها ما لم يصدره من قوانين طيلة ولايته السابقة، وهو يتعثر في البت بسلسلة الرتب والرواتب لمواجهة أزمة تكوي عشرات الآلاف من الطلاب.
عند هذه القراءة، انتهى اللقاء وسط اقتناع بدأ يترسَّخ يومياً، ومفاده أنّ أزمة الشغور تستولد الأزمات على انواعها ومعها المواقف المتشنّجة، عدا ما هو منتظر منها، فما الذي يضمن أن تكون الآتية منها أكبر شأناً وأعظم سوءاً.