Site icon IMLebanon

هل أخطأ البغدادي في إعلان «الخلافة»؟

ينهمك عدد من مراكز الابحاث والدراسات العربية والاجنبية في هذه الايام في درس أبعاد إعلان ابو بكر البغدادي «دولة الخلافة» الاسلامية. وينقسم الباحثون في هذه المراكز الى فريقين: الاول يعتبر انّ هذا الاعلان خطوة جدية ينبغي عدم الاستخفاف بها، والثاني يعتبره خطأ كبيراً ارتكبه البغدادي وستكون له تداعيات سلبية على مستقبل تنظيمه «داعش» في العراق وسوريا.

الفريق الاول يعتقد انّ البغدادي انتزع بهذا الاعلان المبادرة من منافسه زعيم تنظيم «القاعدة» الدكتور ايمن الظواهري، وسرق منه الاضواء حيث قدّم نفسه «القائد الاسلامي» الاكثر جرأة وميدانية، والأكثر تعبيراً عن طموحات عشرات الآلاف من المقاتلين الاسلاميين المتشددين.

ويشير هذا الفريق الى انّ مطلب الخلافة الاسلامية يدغدغ مشاعر كثير من المسلمين الذين يعتبرون أنّ المؤامرة الغربية على الاسلام بدأت مع إسقاط الخلافة العثمانية بعد نهاية الحرب العالمية الاولى عام 1924، وعلى يد الزعيم التركي العلماني مصطفى كمال اتاتورك الذي يتهمه كثير من الاسلاميين بأنه باع الخلافة مقابل قبول الغرب به حاكماً لتركيا. ويعطي هذا الفريق أمثلة على جدية إعلان البغدادي، ومنها مُسارعة عدد من التنظيمات الاسلامية المقاتلة داخل سوريا الى تأييده ومبايعته.

امّا الفريق الآخر من هؤلاء الباحثين فيعتقد انّ البغدادي قد ارتكب خطأ كبيراً بهذا الاعلان يشبه الخطأ الذي ارتكبه أركان تنظيم «القاعدة» في العراق عام 2006 بإعلان «الدولة الاسلامية في العراق» وتعيين وزراء لها ودعوتهم العراقيين في مناطق وجود «القاعدة» الى مبايعة هذه «الدولة» والتزام كلّ ما تقرره.

ويلفت هذا الفريق الى انّ العراقيين في بعض مناطق بلاد الرافدين قد سانَدوا «القاعدة» في عملياتها ضد الجنود الاميركيين، ولكن ليس الى الدرجة التي يحكمهم بها هذا التنظيم متجاوزاً عشائر ضاربة الجذور في المجتمع العراقي، كذلك يتجاوز أحزاباً عريقة في هذا المجتمع والكثير من تنظيمات المقاومة التي كانت تقاتل تحت لواء الاسلام.

ويعزّز الفريق نفسه وجهة نظره بأنه ما إن أعلن البغدادي «الخلافة» حتى دخل مقاتلوه مع حلفائهم الى المناطق نفسها التي رفعت السلاح في وجه حكومة نوري المالكي، وبينهم ضبّاط سابقون جُلّ طموحهم ان يعودوا الى الدولة العراقية والجيش العراقي كما كانت عليه الحال قبل الاحتلال الاميركي. كذلك اصطدم البغدادي، بعد إعلانه، بجماعات اسلامية تختلف معه عقائدياً، كالفرقة الصوفية المعروفة بالنقشبندية ذات الانتشار الواسع في العراق وسوريا وتركيا وعدد من الدول الاسلامية.

ويؤكد هذا الفريق ايضاً انّ البغدادي سيدخل في معركة حاسمة مع تنظيمات «القاعدة» الموجودة في عدد من دول العالم، والتي بايعت بن لادن سابقاً ووريثه الظواهري الذي بدوره بايعَ المُلاّ عمر زعيم حركة «طالبان» في افغانستان «خليفة» للمسلمين. فيما يصرّ البغدادي على انّ الخلافة يجب ان تكون لقُرَشيٍّ عربيّ من آل البيت، معتبراً نفسه من أحفاد الامام الحسن بن علي بن أبي طالب.

ويذكر الفريق نفسه بأنّ حركة الاصلاح الديني في زمن السلطنة العثمانية كانت تعتبر انّ الخطأ في الدولة العثمانية ينطلق من انّ السلطان او الخليفة ليس عربيّاً، وأنّ هذا الامر كان سبب التراجع في الدولة العثمانية، خصوصاً مع موجة التتريك التي سادَتها في عقودها الاخيرة.

ويضيف دُعاة هذا الفريق انّ البغدادي سيواجه، بالاضافة الى المعارضة العراقية والاسلامية لهذا الاعلان، معارضة لدى دول المنطقة كلها. فإيران لن توافق على هذا الاعلان، وكذلك المملكة العربية السعودية وبقيّة دول الخليج، ناهيك عن حركة «الاخوان المسلمين» التي ليست مستعدة لتسليم قيادة التيار الاسلامي لمَن لا ينتمي الى فكرها، وقد رَوّجت مصادرها منذ زمن «علاقة» مشبوهة بين «داعش» والاجهزة المخابراتية السورية والايرانية.

امّاّ الغرب، ومعه روسيا والصين، فسيضع ثقله لمكافحة دولة البغدادي لِما تنطوي عليه من مخاطر داخل بلدان الشرق والغرب. ويجزم هؤلاء انّ اعلان البغدادي سيقود الى تحالف عريض بين مَن كانوا خصوماً متحاربين الى وقت قريب. وبالتالي، فإنّ قرار البغدادي هذا سينعكس سلباً على مسيرته، وسيجد نفسه محاصراً داخل بيئته الحاضنة، ثم على المستوَيين الاقليمي والدولي. فمعارضة نظام معيّن أمر، لكنّ فرض نظام حكم يتجاوز الحدود المعترف بها دولياً أمر آخر. ويذكّر دعاة هذا الفريق بأنّ كثيراً من الزعماء الذين عرفتهم المنطقة قد بدأت نهايتهم حين قرروا التوسّع الى خارج بلادهم من محمد علي باشا وابنه ابراهيم الى جمال عبد الناصر الى صدام حسين، وصولاً الى الدور السوري «المميّز» في لبنان على مدى ثلاثين عاماً.