فيما يزال الزلزال العراقي يرخي بأثقاله السياسية والأمنية والعسكرية على أوضاع المنطقة برمتها والتي دخلت منعطفا جديدا بعد احتلال «داعش» لمناطق واسعة تمتد من الموصل والانبار في العراق الى دير الزور في سوريا شهد لبنان خلال الساعات الماضية حراكاً دبلوماسياً استكمالياً للاتصالات التي سبق وانطلقت من باريس لتحريك عجلة انجاز الاستحقاق الرئاسي لحماية رمزية موقع رئاسة الجمهورية بما تمثل على صعيد انتظام عمل المؤسسات العامة وتحقيق التوازن السياسي الذي اختل بعد تسلل الشغور إلى الموقع المسيحي الأول في النظام السياسي اللبناني القائم على التوافقية والشركة بين المسيحيين والمسلمين.
وفي هذا الإطار أكدت مصادر واسعة الاطلاع أن الأسماء المطروحة لرئاسة الجمهورية في كواليس المباحثات الدبلوماسية لم تعد تتضمن أي اسم من أسماء الأقطاب المارونية الأربعة ولا سيما اسم كل من العماد ميشال عون واسم الدكتور سمير جعجع الذي التقط مبكرا ماهية التوجهات المؤثرة في الاستحقاق الرئاسي وعلى أساسها حضر نفسه مبكرا للخروج اللائق من حلبة السباق إلى قصر بعبدا.
ومما لا شك فيه اكدت المصادر أن ترشح جعجع شكل ضربة قوية أمام وصول العماد عون كرئيس للجمهورية اللبنانية إلا أن ترشح جعجع لم يكن وحده كافيا لقطع الطريق على العماد عون بل أن هناك عوامل أساسية فعلت فعلها في هذا المجال ويجمع المتابعون لكواليس الأروقة السياسية ومشاوراتها ومباحثاتها داخل الأماكن المغلقة على أن الدور البارز والفاعل والحاسم لرئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط قد فعل فعله في «كربجة» وتعطيل طموحات وفرص وصول العماد عون إلى رئاسة الجمهورية الذي كان عليه أن يفتح الحوار ليس مع الرئيس سعد الحريري وحسب من أجل تحقيق طموحه الرئاسي بل كان من المفترض عليه أن يفتح حوارا مع النائب جنبلاط والرئيس نبيه بري موازيا لحواره مع الحريري الذي قطع أشواطا متقدمة على صعيد تطوير وتحسين العلاقة بين التيار العوني وتيار المستقبل إلا أن هذا التقدم لم يكن بمقدوره أن يصنع من العماد عون رئيسا للجمهورية.
المصادر أشارت الى أن المساعي الجارية لإخراج ملف الاستحقاق الرئاسي من عنق زجاجة الأزمة تسير بالاتجاه الصحيح إلا أن ذلك لا يعني أبدا أن هذه المساعي مضمونة لتحقيق النتائج الإيجابية التي من شأنها انهاء حالة الشغور في قصر بعبدا خصوصا في ظل جمود المواقف على حالتها المتصلبة بانتظار انقشاع الرؤية الواضحة لتطورات المنطقة التي لا يعلم أحد كيف سترسي نتائجها السياسية على صعيد ميزان الربح والخسارة بين اللاعبين الكبار من قوى دولية وإقليمية في المنطقة. إلا أن ذلك لا يعني أن فرص نجاح هذه المساعي محكومة بالفشل مسبقا سيما أن هذه المساعي تجري ضمن نطاق الأخذ بعين الإعتبار التجاذبات المحلية كما تأخذ في عين الاعتبار تطورات المنطقة وتأثيرها في العلاقات الإقليمية والدولية التي لها دور أساسي في تحديد مسار الإستحقاق الرئاسي في لبنان الذي لا يمكن انجازه في أي وقت من الأوقات دون تسوية محلية وإقليمية – دولية.
بدورها أكدت أوساط سياسية وسطية لـ «الديار» أن حظوظ وصول العماد عون إلى قصر بعبدا ما قبل الحراك الجنبلاطي باتجاه العاصمة الفرنسية غير ما بعده وهذا الأمر تدركه الماكينة العونية التي أصابها الذهول من تبدل الأوضاع بين ليلة وضحاها من ضفة إلى ضفة أخرى لا مكان فيها لوصول العماد عون رئيسا للجمهورية. اضافت أنه وبعيدا عن مناورات العماد عون الذي تأخر كثيرا في تقديم طروحاته ومقتراحاته بخصوص الاستحقاق الرئاسي والانتخابات النيابية في مرحلة بالغة الخطورة يمر بها لبنان ومحيطه وجواره والتي لا تحتمل كل هذا الترف السياسي في التعاطي مع الملفات العالقة، فإن التوافقية باتت السمة الأساسية الثابتة في المباحثات الجارية للمفاضلة بين الأسماء المرشحة لرئاسة الجمهورية والتي لا تتضمن حتما بينها اسم كل من عون أو جعجع، كما أن التمديد للمجلس النيابي بات شبه محسوم في ظل تعثر امكانية انجاز الاستحقاق الرئاسي الذي لا أفق لإنجازه في المدى المنظور، وبالتالي فإن امكانية اقرار قانون جديد للانتخابات النيابية وانجاز الانتخابات النيابية أمر مستحيل وسابقة من غير المسموح حصولها في ظل حالة الشغور في موقع رئاسة الجمهورية، لذلك أن المشاورات والمباحثات المكوكية التي تشهدها كواليس الأروقة السياسية تتركز على نقطة اساسية وهي إيجاد المخرج المناسب للتمديد للمجلس النيابي الحالي لمدة لا تقل عن سنة بأقل تقدير.
وتضيف أن الحراك الغربي الدبلوماسي داخل لبنان وخارجه، والمعطوف على المحادثات التي اجراها سفراء الدول الخمس في مجلس الامن مع بعض كبار المسؤولين اللبنانيين حمل نصائح واضحة بضرورة تحمل المسؤولين اللبنانيين لمسؤولياتهم على صعيد انقاذ لبنان وحمايته من تداعيات الأوضاع المتفجرة في المنطقة والتي بدأت شظاياها الخطرة تصل إلى الساحة اللبنانية عبر العمليات الإرهابية لتي تقف وراءها التنظيمات الإرهابية الناشطة في سوريا والعراق والتي يأتي على رأسها تنظيم «داعش» الذي قلب توسعه العسكري والأمني في سوريا والعراق الأوضاع في المنطقة رأسا على عقب. كما أن هذا الحراك الدبلوماسي حمل انطباعا واضحا يؤكد أن تسهيل انجاز الاستحقاق الرئاسي يتطلب تركيز الجهود على اسماء مرشحين مقبولين من جميع الأطراف، وبالتالي فإن ازالة العراقيل والعوائق من أمام انجاز هذا الإستحقاق المفصلي والمهم تتطلب الخروج من الدائرة المقفلة التي فرضتها ظروف ترشح العماد عون غير المعلن والذي بدوره أخذ الاستحقاق الرئاسي نجو أفق مسدود بعد أن مارس العماد عون وفريقه السياسي منطق «العماد عون أو لا أحد في قصر بعبدا».
الأوساط عينها أكدت أن هذا المنطق المعتمد من قبل العماد عون بات غير مقبول ليس فقط من القوى الغربية المتابعة لملف الاستحقاق الرئاسي وحسب بل من حلفاء العماد عون في الداخل اللبناني وفي المنطقة، بحيث أن محور المقاومة والممانعة حريص أكثر من أي وقت مضى على تحصين أمن لبنان وإستقراره وحماية سلمه الأهلي كون هذا المحور المنشغل بأحداث العراق وسوريا لا يريد فتح جبهة جديدة عليه خصوصا في لبنان الموطن الحاضن للمقاومة وقيادتها. وبالتالي هناك تقاطع في المصالح بين الغرب وإيران على حماية لبنان والنأي بساحته عن الأوضاع المتفجرة في المنطقة وهذا التقاطع يجد في تسهيل انتخاب رئيس جديد للبنان عامل محصنا للساحة اللبنانية… وهذا التسهيل لإنجاز الاستحقاق الرئاسي يقتضي بطبيعة الحال التخلي عن المواصفات الحادة والاستفزازية في شخصية المرشحين لرئاسة الجمهورية والذهاب نحو المواصفات التوافقية والوفاقية الحقيقية ومثل هذه المواصفات هي حتما لا تنطبق بكل المقاييس والمعايير على العماد عون.