التنسيق اللبناني ـ السوري أمّ الحاجات
هل تستخدم الحكومة أوراق قوّتها؟
حتى اللحظة، لم ينفع أي شيء مع قاطعي الرؤوس، فكيف اذا كان ضمن التركيبة السلطوية من لا يزال يجد أعذارا لـ«داعش» و«جبهة النصرة» عن إجرامهما بحق العسكريين المخطوفين، وقبلا عن سبب هجومهما الصاعق والمتكرّر على الجيش، وقبلا أيضا عن سبب تنقّل السيارات المفخّخة والانتحاريين بيننا!
أوحى دخول القطريين على الخط بأن الأمور، وفي أقصى التحليلات المتفائلة، قد تصل أقلّه الى حدّ وقف عمليات الذبح، أما الإفراج عن الرهائن العسكريين فسيكون مقبولا ترنّحه بين شروط الخاطفين وإمكانيات الحكومة بمنح المسموح.
لكن لم يكن وزير الداخلية نهاد المشنوق قد أنهى استنتاجه بأن دخول الدوحة سيكون خيرا للبنان، حتى عاجل «داعش» اللبنانيين وطاقم الأزمة بعملية ذبح برّرها بيان يوحي بأن ثمّة من لديه ترف «الضحك» على الحكومة.
التقت خلية الأزمة مجدّدا في يوم عطلة الأحد، بغياب وزيرين عنها، وبوجود رئيس مجلس النواب نبيه بري في سويسرا في إجازة خاصة. واشتعلت الاتصالات السرّية بين لبنان ومجموعات التفاوض المعنية اقليميا بغية معرفة أسباب هذا التدهور الخطير في مسار الأزمة.
هذا مع العلم، أن معلومات موثوقة كانت وصلت الى جهاز أمني قبل تنفيذ عملية الذبح بحق الجندي الشهيد عباس مدلج بقرب قيام «داعش» بذبح عسكري ثان، وبإمكانية قيام مجموعات سنّية متطرّفة بذبح مجموعة من السنّة في منطقة سنّية صرف بغية الايحاء بأن مرتكبيها هم من الشيعة، وذلك بهدف ايقاع الفتنة الكبرى بين الطرفين.
عمليا، بذل «حزب الله» جهدا استثنائيا للجم الشارع بغية عدم تمدّد نار الانتقام الداخلي، كما اتّخذت احتياطات الضرورة لعدم تحوّل السيناريو الوارد الى الجهاز الأمني الى حقيقة واقعة.
بمطلق الأحوال، كان مسلسل الذبح المستمر كافيا، بالنسبة لبعض الجهات اللبنانية الراصدة من فوق، وليس من بين الزواريب، لتطوّر الأحداث بعد شهر ونحو أسبوع على حصول المتوقّع في عرسال، بأن أداء الحكومة يقارب الكارثة، وبأن الأساليب المتّبعة، الفاقدة للبعد المسؤول والمنظّم، لن تجرّ سوى لدخول لبنان نفقاً أسود مريعاً عنوانه التصفية التدريجية للعسكريين الرهائن.
أضف الى ذلك، المعطيات التي تتحدّث عن قرب اقتطاع عرسال نهائيا من الخارطة اللبنانية على وقع الاحتمالات الأكثر رجحانا بموازاة تطوّرات معركة القلمون، على أبواب الشتاء الداهم.
وفي مقابل الضياع الحكومي والانفصام على المستوى الرسمي، في التمييز بين العدو والصديق، ظهرت تباعا مؤشّرات تظهر وجود أوراق قوّة بيد الحكومة قد تمكّنها من تغيير المعادلة القاتلة.
كان لافتا، صدور هذا الموقف، بداية، عن «حزب الله» الذي ذهب الى حدّ الدفع باتجاه الخيار العسكري لاسترداد المخطوفين، والمطالبة بتحرير الجيش من كل القيود التي تكبّله في هذه المعركة. كانت رسالة «حزب الله» مباشرة بضرورة مغادرة الحكومة دائرة التردّد، وارتداء بزّة الحسم، واستخدام أوراق القوة الكفيلة بإبعاد السكين عن رقاب العسكريين.
لاحقا، كان على رئيس الحكومة ان يعترف بأن ثمّة أوراق قوة فعلا بيد الدولة اللبنانية. لم يفصح عنها، بطبيعة الحال، كي لا تحترق، لكنه لم يوح بأنها صارت خيارا واقعا.
المقرّبون من تمام سلام يجزمون بأن الرجل، ورغم كل الدعايات التي صوّرته لاهثا وراء تنفيذ رغبات الارهابيين بهدف إنقاذ العسكريين، بات مقتنعا بأن كل من يتطوّع في الجيش أصلا هو مشروع شهيد، والشهادة قدر متوقّع. وفي ظل معركة وجودية كتلك التي يمرّ بها الداخل اللبناني، قد تصبح التضحية بأبناء المؤسسة خيار الضرورة لكسب الحرب الكبرى!
عمليا، حين يلوّح المعنيون بأوراق القوة التي تملكها الحكومة، يتمّ حتما استبعاد أمرين أساسيين، وهو واقع يبصم عليه «حزب الله»: أولا تجاهل ورقة الضغط على النازحين السوريين (ومن بينهم أهالي الارهابيين)، في مقابل طبعا تشديد الرقابة الأمنية على المخيمات من أقصى الشمال الى اقصى الجنوب، مرورا بالعاصمة والبقاع.
ثانيا، إسقاط ورقة تنفيذ حكم الإعدامات الصادرة بحق بعض الموقوفين الإسلاميين. وهنا تذكّر أوساط في «حزب الله» بمسعى الحزب طوال الأعوام الماضية وضغطه على المعنيين لسحب فتيل الموقوفين الاسلاميين عبر تسريع محاكماتهم كي لا تتحوّل الى عبء ثقيل، ومادة متفجّرة بوجه الدولة.
ويبدو، أمام الصورة القاتمة التي وصل اليها مسار التفاوض، أن استخدام ورقة القوّة بيدّ السلطة صار أكثر قابلية للتنفيذ. الأمر يتطلّب قرارا سياسيا جامعا، يتيح للجيش المبادرة بفصل عرسال عن الجرود، والقيام بعمليات عسكرية نوعية تتيح تقدّم الجيش عسكريا وتثبيت مراكز جديدة له.
ثمّة ضباط اليوم داخل المؤسسة العسكرية، يرون أن مثل هذا النوع من العمليات، يحقّق هدفين: التلويح للارهابيين بأن الحسم خيار جائز بأي لحظة، والحدّ من حركتهم دخولا وخروجا والتضييق عليهم.
صحيح ان هذا الخيار يتطلّب جهوزية عسكرية عالية، في العتاد والعديد، لكنه في حال تمّ الركون اليه، فإنه سيشكّل طوقا خانقا على أعناق الارهابيين الذين كانت عرسال، ولا تزال، تشكّل بالنسبة اليهم مقرّا عاما للإمداد، وأخذ النفس، وتعبئة البطون، والتصرّف بها كإمارة، سلّمتها الدولة اللبنانية لهم، قبل أن يستولوا عليها!
وتتضاعف أهمية هذا الخيار، مع المعطيات التي تجزم بفشل المجموعات الإرهابية المستمر في السيطرة على مدن القلمون الرئيسية لتحويلها الى نقاط تمركز ثابتة لهم، وهذا ما سيدفع «داعش» و«النصرة» نحو الداخل العرسالي.
لكن، وفق المطلعين، فإن هذا الحلّ النوعي، وكي يعطي النتيجة المتوخاة، يجب أن يقترن بتنسيق، وعلى رأس السطح، بين الجانبين اللبناني والسوري، بما يسهّل الحسم ويمنح العمليات العسكرية من جانب الجيش قدرة أكبر على التماهي مع متطلّبات الأرض.
ثمّة اليوم داخل الحكومة من يقول «ربما لن نتوقع تراجعا عن مسلّمات باتت خارج الزمن والمنطق، إلا حين تصبح داعش داخل غرف نوم فريق السيادة والتعنّت…!».