Site icon IMLebanon

هل تعيد اللجنة الوزارية ملف النفط إلى مساره التقني؟

الكلام السياسي عن الثروة النفطية يُضر بالتفاوض

هل تعيد اللجنة الوزارية ملف النفط إلى مساره التقني؟

مهما اكتسبت الملفات المطروحة من أهمية، يبقى ملف الثروة النفطية والغازية، بحراً راهناً وبرّاً لاحقاً، هو الأكثر أهمية واستثنائية، ويتمتع بالسبق الدائم في سلّم الأولويات الوطنية، نظرا لما يشكله من فرصة وطنية كبرى يراهَن عليها في عملية إحداث تغيير جذري اقتصاديا واجتماعيا.

والاعتقاد الأغلب ان رئيس الحكومة تمام سلام الذي يترأس خلال الأيام المقبلة الاجتماع الاول للجنة النفط والذي سيحضره رئيس وأعضاء هيئة إدارة قطاع البترول، سيكتشف حجم المسؤولية وخطورتها المترتبة على كيفية إدارة هذا الملف، الذي يجب إخراجه بلا إبطاء من الحسابات السياسية اللبنانية الضيقة، الطائفية والمذهبية، والتي تحكمت بمساره في السنوات الأخيرة، لئلا يفقد لبنان المصداقية في مقاربة كل ما يرتبط بهذه الثروة الوطنية، والتي يتقدم فيها عنصر الشفافية على ما عداه من عناصر أساسية.

وفي هذا الإطار يورد أحد المتابعين عن كثب للملف النفطي جملة من الأمور التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار، ويقول: «لا يمكن توقيع معاهدة أو اتفاق، مع الشركات اذا لم يكن هناك قانون لإدارة الضرائب البترولية المختلفة عن الضرائب العادية، كما ان الخطأ الاستراتيجي الذي حصل هو أن هيئة إدارة قطاع البترول، كما أُنشئت، هي مثل نظام الشركات في سبعينيات القرن الماضي، اذ هناك ربط بين الموقع السياسي والموقع التقني، علما أن تمتع الهيئة بالاستقلالية يلغي أسلوب تدوير الزوايا في قطاع صناعي بامتياز كهذا».

ويوضح «ان تشكيل اللجنة الوزارية برئاسة الرئيس سلام أمر جيد جدا، وكان بالإمكان استباق الأمور عبر هيكلية تؤمن الاستقلالية من ضمنها الوزارات المعنية، من دون تدخل الوزراء بالعمل اليومي للهيئة والاكتفاء باطلاعهم على النتائج، لأن هناك كوارث في الكلام السياسي حول الثروة النفطية عبر القول من أحدهم إن النسبة المتوقعة في الشمال كذا وفي الجنوب كذا، هذا الأمر ليس من اختصاص السياسيين، ولا يعلن عن المخزون النفطي والغازي إلا بعد حفر الآبار، فكثير من الأمور تحصل وهي غير مهنية وتضر بالتفاوض لاحقا».

ويرى المصدر أن «تأجيل البت بالمراسيم كان أمرا مفيدا نظرا للأخطاء السياسية الكثيرة التي ارتُكبت، وما دام هذا القطاع انطلق ولن يتوقف فلا مشكلة في التأخير، كما أن تسمية البلوكات الخمسة خطأ ولكن يمكن تصحيحه، لأنه لحظة أعلن الوزير السابق للطاقة جبران باسيل أن الاتجاه لفتح خمسة بلوكات توقفت الشركات عن شراء الداتا، كما ان مقاربة هذا الملف لا تتم مناطقيا عبر الدفع باتجاه تحويل (reservoir) العائد لكل بلوك الى منطقة محددة، والمشكلة الإضافية أن الشركات تعرف ما لدى لبنان أكثر مما تعرف الدولة اللبنانية».

ويلفت الى أن «هناك استراتيجية تلزيم وما اذا كانت ستبنى على صناعة وطنية، وقبل وصول أموال بيع الغاز أو النفط هناك استثمارات كبرى تدر أموالا ووظائف، علما أن داتا العديد من البلوكات غير دقيق، وتحديدا الجنوبية منها، لان التقديرات تشير الى أن المخزون أكبر مما هو مروّج وأول بلوك يمكن الاستثمار فيه هو بلوك رقم (9)، كما ان على الدولة أن تنشئ مرفأ تسييل على البحر، لان المرفأ العائم لا يؤمن فرص عمل بينما من خلال المرفأ تتأمن مئات فرص العمل خلال سنوات قليلة جداً».

وأشار الى ان «من يراهن على عائدات الغاز مخطئ لان الذي يساعد هو خلق فرص عمل، مع وجود خطر من استخراج الغاز وبيعه بأسعار أقل مما هو متوقع في ضوء اتجاه الولايات المتحدة الاميركية للسماح ببدء بيع الغاز الصخري، لذلك يجب أن نكون أذكياء عبر استثمار العائدات في البتروكيميائيات، ما يزيد من فرص العمل. واذا حوّلنا ايضا استهلاك الطاقة الى الغاز فإن ما لدينا يؤمن لنا الحاجة لمئات السنين، كما علينا إنشاء صناعات مرتبطة بهذه الثروة مثل معامل الالمينيوم والحديد والبلاستيك والتي توفر وظائف كبيرة. واذا فكرنا أبعد من ذلك نعمد الى تلزيم بلوكين كبيرين ومن ثم نقسم البحر الى بلوكات صغيرة ونلزمها الى شركات لبنانية بإمكانها الاتفاق مع شركات أجنبية. مثلا اذا كان لدى مستثمر معمل المينيوم يعمد الى استثمار في مكمن بالبحر يزوّد الشركة بحاجتها الى عشرات السنين، حتى بالإمكان استخدام الطاقة في تحلية المياه».

ويعتبر المصدر أنه «علينا التفكير استراتيجيا والاستثمار صناعيا وعدم التلزيم دفعة واحدة وان نفرض على الشركات أن توظف لبنانيين بنسبة لا تقل عن ثمانين في المئة. كما أنه خطأ كبير تسخيف نسب المخزون في بلوكات محددة، فالمطلوب تطوير الصناعة الوطنية وان تكون كل الوسائل موحدة، واذا فتحنا بلوكين (9 و10) في الجنوب فحكماً الشركة التي ستفوز بالعرض ستستثمر في الزهراني، وكذلك الامر في الشمال، أما موضوع الاستثمار في المخزون البري فمن الأفضل ترك هذا الأمر الى مرحلة لاحقة حتى يتم اكتساب الخبرات ويفتح المجال حينها لكي تستثمر الشركات اللبنانية، على أن يتم تقسيم المساحة البرية».

ويشدد المصدر على أن «الاستثمار يجب أن يخضع للإنماء المتوازن، فمنشأة الجنوب تسّيل لآسيا عبر قناة السويس ومنشأة الشمال تسيل لأوروبا عبر تركيا، مع أهمية تنمية الصناعات المحلية التي تحتاج الى عمال، أي تتشكل نقابات مستقلة، وهذا يؤدي الى ذوبان المحسوبية والطائفية وتتوقف الهجرة، ويولد مجتمع جديد خلال ثلاثين عاما على أبعد حد. كما على الدولة اللبنانية شراء باخرة تقوم بالمسح الجيولوجي وأن يصبح لدينا داتا، والاسرائيلي لن يستطيع منعنا لأنه هو من لديه منشآت نفطية وليس لبنان، ومع وجود توازن الردع عليه أن يخشى التعرض لأي عمل سيادي لبناني».

ويؤكد المصدر «أن الاستثمار الناجح والتقني الصرف، واعتماد سياسة منهجية وعلمية في ملء فرص العمل التي تتأمن جراء الاستثمارات المتعددة، على أن تكون مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، ستفرض على كثيرين العودة الى مدنهم وقراهم، وستحد من الفرز الديموغرافي المتصاعد وتثبّت المواطنين في قراهم ومدنهم، وتحد من الهجرة الى الخارج ومن الاطراف الى العاصمة وضواحيها بما يخفف عنها بنسبة كبيرة الضغط السكاني وما يرافقه من حاجة الى الخدمات والوظائف».

ويشير الى أن «لبنان هو الدولة الوحيدة في العالم التي تعد مراسيم وداتا حول الثروة النفطية والغازية باللغة الانكليزية وليس باللغة الرسمية الوطنية، اذ يفترض أن تكون كل الأمور الرسمية باللغة العربية»