السؤال الذي لا جواب عنه حتى الآن هو: هل تصمد هدنة الشهر بين اسرائيل وحركة “حماس” في غزة أم تخرق وتعود الحرب؟ وهل تكون هذه الهدنة مفتوحة عند انتهائها على حرب جديدة ثم هدنة جديدة، أم على مفاوضات لا تنتهي الا بالتوصل الى اتفاق سلام دائم؟
يقول سفير سابق للبنان: ليس المهم الدخول كل مرة وبعد كل حرب في جدل حول من كان الرابح ومن كان الخاسر فيها، انما ان يكون الرابح من يتوصل الى تحقيق سلام يقوم على اساس حل الدولتين لأنه الحل الوحيد الذي يجعل كل دولة في المنطقة تعيش داخل حدود آمنة، ومن دون هذا الحل فان الحروب سوف تبقى سجالاً مع اسرائيل، ويبقى الشعب وحده هو الخاسر وهو الذي يدفع الثمن.
إن حرب غزة انتهت في الحقيقة بلا غالب ولا مغلوب في رأي السفير نفسه، أو بتوازن في الربح وفي الخسارة. فالشعب الاسرائيلي عاش في الملاجئ حماية لنفسه من الصواريخ الفلسطينية التي كانت تتساقط عليه، فكانت الخمسون يوماً من حرب غزة ايام ذعر وهلع ما اعتادها هذا الشعب عندما كانت اسرائيل تخوض حروبها داخل اراضي الدول العربية وليس داخل اراضيها. وخسرت اسرائيل في حربها الاخيرة مليارات الدولارات من جراء شل عمل القطاع العام والقطاع الخاص وحركة السياحة والتجارة. وخسر الشعب الفلسطيني من جهته اكثر من ألفي قتيل وعشرة آلاف جريح ومنازل تهدمت بكاملها وصار سكانها نازحين، وبُنى تحتية دمرت فتأثرت بذلك الخدمات العامة ومنها المياه والكهرباء والصرف الصحي.
لذلك لا يمكن القول ان الحرب كان فيها غالب ومغلوب وخاسر ورابح خصوصاً عندما تدفع الشعوب وحدها الثمن.
إن الهدنات التي تم التوصل اليها بعد كل حرب لم تكن لمصلحة الشعب الفلسطيني لأن هذا الشعب يدفع غالياً ثمن كل حرب تنتهي الى هدنة، وهذه الهدنة تبقى مفتوحة على خرق لها يشعل حرباً جديدة. واذا كان الشعب الفلسطيني ينشغل خلال الهدنة باعادة بناء ما تهدم وتعزيز ترسانته العسكرية استعداداً لحرب جديدة، فان الشعب الاسرائيلي يواصل خلالها بناء المستوطنات وضم مزيد من الاراضي المحتلة الى دولته، ويواصل ايضاً تهويد القدس، ما يجعل الهدنات بعد كل حرب ليست في مصلحة الشعب الفلسطيني انما في مصلحة الشعب الاسرائيلي، الذي لا يتضرر خلالها بحجم ما يتضرره الشعب الفلسطيني الذي يحتاج بعد كل حرب الى وقت وجهد لاعادة بناء ما تهدم والى مساعدات مالية قد لا تكون متوافرة لهذه الغاية.
الى ذلك يرى السفير نفسه ان تكون هدنة ما بعد حرب غزة هدنة اخيرة ينبغي أن تنتهي الى اتفاق على اقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة والا فان على الفلسطينيين والعرب أن يقرروا حرباً على اسرائيل لا تنتهي الا باتفاق سلام شامل وعادل، وهي حرب باتت اسرائيل تخشاها لأنها ستجري داخل اراضيها بفعل الاسلحة المتطورة.
فاذا كانت الصواريخ الفلسطينية أرعبت الشعب الاسرائيلي الذي راح يضغط على حكومته لكي تحسم هذا الوضع بالحرب او بالتفاوض الجدي، فكيف اذا تعرضت اسرائيل لحرب تنطلق من حدود كل الدول العربية المتاخمة لها لتفرض عليها السلام الشامل والعادل وليس الأمن فقط، وهو ما تكتفي به اسرائيل، لأن لا ثمن تدفعه لتحقيقه، في حين ان لتحقيق السلام ثمناً لا تريد دفعه وهو الانسحاب من كل الاراضي العربية والفلسطينية التي تحتلها تنفيذاً لقرارات مجلس الأمن. وعلى الدول الكبرى التي اتخذت هذه القرارات المساعدة على تنفيذها اذا كانت تريد امناً واستقراراً لمنطقة الشرق الاوسط، لأن القضية الفلسطينية اذا ظلت من دون حل فان المنطقة ستظل معرضة للاضطرابات ولأعمال العنف والارهاب، ولن تنعم اسرائيل بالهدوء والراحة.
إن الهدنة بعد حرب غزة ينبغي أن تكون الأخيرة لا أن تبقى مفتوحة ككل الهدنات على حروب جديدة يدفع الشعب الفلسطيني الثمن غالياً شهداء وجرحى وتهجيراً ودماراً وخراباً فينشغل عن ملاحقة تحقيق السلام بحل مشكلاته المعيشية والاجتماعية والتوسل للحصول على حاجته من المياه والكهرباء…
لقد آن أوان أن يقرر الفلسطينيون مع العرب حرباً على اسرائيل لا تتوقف الا باتفاق سلام شامل وليس حرباً تنتهي بهدنات يكون الشعب الفلسطيني دفع ثمنها غالياً وعاد معها الى النقطة الصفر…