اللبنانيون عموما، او على الاقل معظمهم، والذين لهم اهل واقارب في الولايات المتحدة الاميركية، يحبون الشعب الاميركي الطيب المتعلق بالحرية والديموقراطية وحقوق الانسان، والموجود دائما لمد يد العون والمساعدة لاي شعب من الشعوب، اصيب بكارثة طبيعية، تعرض وجوده وقيمه لخطر الارهاب الديني، او ديكتاتورية الانظمة، وهذه النظرة تنسحب ايضا على عدد من الدول الاوروبية وغير الاوروبية مثل اوستراليا وكندا، وباقي الدول من عربية وافريقية واسيوية، التي فتحت ابوابها امام اللبنانيين جميعا، دونما تفرقة او تمييز في الجنس والطائفة والمذهب، ولذلك من غير المستغرب ان يتطلع اللبنانيون الى هذه الدول الصديقة والشقيقة، عند وقوع لبنان في ازمات امنية او اقتصادية، او لتعرضه لهجمات التكفيريين والطامعين به، على غرار ما حصل اثناء الحرب في لبنان، وفي السنوات العشرين الماضية، وبهذه النفسية وهذا التوجه، كان المسيحيون اللبنانيون مقتنعين بان هذه الدول ولو من باب الانسانية، لن تترك الاقليات المسيحية في مصر وسوريا والعراق، تتعرض لحملات تطهير ديني على يد جماعات اسلامية متطرفة، تكفيرية شديدة التسلح ومدربة تدريبا جيدا، فقتلت الاف المسيحيين في هذه الدول ودمرت واحرقت معابدهم ومدارسهم، واستولت على بيوتهم وارزاقهم واموالهم، كما حصل في العراق وبعض المناطق في سوريا، وطردت من نجوا من القتل وشردتهم في الوديان والجبال من دون طعام ولا ماء، قبل ان يفتكوا باقليات اخرى مثل الايزيديين والتركمان، ويذبحوا رجالهم وذكورهم من الاطفال، ويسبوا النساء، وكانت المفاجأة الكبيرة ان هذه الدول، وفي مقدمها الولايات المتحدة الاميركية لم تتحرك امام هذه الهجمات الوحشية، وتركت التكفيريين يستولون على مساحات كبيرة وعلى موارد مالية واقتصادية ضخمة، يمولون بها زحفهم المغولي باتجاه الحضارات التي صمدت طول مئات الاعوام، وكان يمكن لهذه الدول، وخصوصا تلك صاحبة الفيتو في مجلس الامن، ان تستغل رفض العالم كله، وخصوصا العالم الاسلامي لهذه الموجة من الموت والدمار، وتستثمره في قرارمن مجلس الامن المتهالك، لوقف نهر دم الابرياء في العراق وسوريا، ومؤخرا في لبنان، لكن الرئيس الاميركي باراك اوباما لم يعمد الى التدخل الخجول، الا عندما شعر ان مدينة اربيل في كردستان مهددة بالسقوط، وقد يسقط معها ضحايا اميركيون بالاضافة الى النفوذ الاميركي والمصالح الاميركية في منطقة الشرق الاوسط كلها، وكان من حسن حظ الايزيديين والمسيحيين ان يستفيدوا من الضربات الجوية التي تنفذها الطائرات الاميركية ضد آليات داعش المندفعة باتجاه اربيل، فسلموا من مذبحة جديدة، بعدما كادوا ان يقضوا من الجوع والعطش. فانقذتهم شحنات الماء والغذاء التي رمتها لهم الطائرات.
***
السناتور الجمهوري الاميركي جون ماكين، انتقد بعنف موقف اوباما متهما اياه «بعدم الفهم الاساسي» لخطر تنظيم الدولة الاسلامية، معتبرا انه قام «بعمل محدود» وكان عليه شن هجمات واسعة على مواقع داعش في العراق وسوريا، خصوصا ان داعش قد الغى بعملياته العسكرية الحدود بين العراق، وسوريا، كما انتقد ماكين «الهدف المعلن» للضربات الجوية، وانه لانقاذ حياة الاميركيين، وليس لوقف تنظيم داعش ومنعه من نقل سلاح وعتاد الى الداخل السوري بقصد تدمير الجيش السوري الحر.
ان انتقادات ماكين سياسة باراك اوباما الخارجية، وخصوصا في العراق وسوريا، تضع علامات استفهام كبيرة عن اهداف الادارة الاميركية الديموقراطية، حيال ما يجري من احداث في بعض دول الشرق الاوسط، ومدى علاقتها بالمفاوضات التي تدور بينها وبين ايران، والتي يبدو انها تجاوزت الملف النووي الايراني الى شؤون وقضايا اخرى من بينها ملفات سوريا والعراق ولبنان، فهل تلزم واشنطن لبنان لايران بعدما كانت لزمته لسوريا؟!