لخَّصت مستشارة الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي سوزان رايس نتائج زيارة وفد «الإئتلاف الوطني السوري» المعارض إلى واشنطن بنقطتين: طلب تقديم مساعدات عسكرية لحماية توزيع المساعدات الإنسانية الدولية من غارات النظام الجوّية، وإلتزام تخليص سوريا من خطر الإرهاب والتطرّف.
كان لافتاً أن يدوم لقاء وفد «الإئتلاف» برئاسة أحمد الجربا مع رايس ساعتين من الوقت، بينهما نصف ساعة في حضور الرئيس الأميركي باراك اوباما، فيما كان مقرّراً ألّا يدوم أكثر من ثلاثين دقيقة.
ورأت أوساط ديبلوماسية مراقبة وأخرى عربية أنّ ما حصل في واشنطن، تُرجم في اجتماع مجموعة «أصدقاء سوريا» الذي عُقد في لندن، في وقت توحي الأجواء بأنّ آليّة سياسية سيتبعها حلفاء المعارضة السورية الدوليّون والإقليميّون، بعد انتهاء مفاعيل العملية السياسية التي جرى عبرَها متابعة ملفّ الأزمة السورية خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
ويؤكّد معارضون سوريّون في واشنطن أنّ الإدارة الأميركية طلبت من وفد «الإئتلاف» نقلَ مكاتبه من تركيا إلى الأراضي السوريّة المحرّرة، من دون كشفِ ما يعنيه هذا الطلب وتبعاته الأمنية والعسكرية والسياسية مستقبلاً!
ويعتقد البعض أنّ قرارات عدّة ستبقى طيّ الكتمان، بعدما نجحَ محور النظام السوري وحلفاؤه في تصوير المكاسب التي حقَّقها ميدانيّاً، هزائم لواشنطن في الدرجة الأولى. ويلفت هؤلاء إلى التعليقات الأميركية الرسمية التي بلغت حدّ التناقض أحياناً، في التعبير عن الخيارات التي ستعتمدها الإدارة الأميركية في المرحلة المقبلة، خصوصاً لناحية صدور قرار جدّي برفع الحظر عن تسليح قوى المعارضة المعتدلة بأسلحة نوعية، وتحديداً تلك المضادة للطائرات.
ففي حين يؤكّد متحدّثون باسم وزارة الدفاع الأميركية أن لا تغيير في هذا المجال، يقول رئيس هيئة أركان القوات الأميركية مارتن دمبسي «إنّ عدم تغيير تلك السياسة، منع المعارضة من الفوز في الحرب على النظام والقوى المتطرّفة».
إحتدام المواجهة العسكرية في ظلّ خطاب «انتصار» يمارسه النظام، ضارباً عرض الحائط المساعي السياسية التي كان مُقدّراً لها وضع حدّ لتلك الحرب المدمّرة، قد يكون هو الممرّ الإجباري الذي سيفرض على الولايات المتحدة إعادة حساباتها في التعامل مع الأزمة السورية.
هناك من يعتبر أنّ «الخديعة» السياسية التي مارسَتها موسكو لتسويف الحلّ السياسي عبر مؤتمر جنيف، معطوفة على المأزق الذي تُراوح فيه الأزمة الأوكرانية، قد يجعل من خيار تصعيد كِلفة هذه السياسة على روسيا خياراً وحيداً، إذا ما أُريد إعادة الجميع إلى طاولة المفاوضات.
وتؤكّد الزيارات المكّوكية التي قام ويقوم بها أكثر من مسؤول أميركي رفيع المستوى الى منطقة الخليج، خصوصاً إلى السعودية، أنّ واشنطن غير مستعدّة للتضحية بحلفائها، على ما قاله وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل في الرياض أمس الأوّل.
وفيما يهمس البعض أنّ من بين أهداف تلك الزيارات الكثيفة، رعاية التغييرات الحاصلة في البنية القيادية للمملكة العربية السعودية، والاطمئنان إلى حصول التسلّم والتسليم بسلاسَة لا تتحمّل أيّ مفاجآت، يقول آخرون إنّها حمَلت رسائل استراتيجيّة حول مستقبل المفاوضات القائمة مع إيران.
وإذا كانت الحاجة الأميركية هي إلى ضمان عدم حصول إيران على السلاح النووي، إلّا أنّ واشنطن ليست في سباق مع الوقت، بخلاف الطرف الآخر الذي لا يمكنه الاستمرار إلى ما شاء الله في مواجهات مفتوحة، حدودها منطقة الشرق الأوسط برُمَّته.
ويلفت هؤلاء إلى التصريحات الأخيرة لأحد كبار المسؤولين السابقين في الإستخبارات الإسرائيلية، قال فيها: «إنّ إيران حتى لو قرّرت الحصول على سلاح نووي، لن يمكنها القيام بذلك ولو بعد عشرة أعوام».
إذاً، فالقضية لا تتعدّى لعبة عضّ الأصابع، فيما السياسة تُصنع في مكان آخر.