إلى متى يظل الشعب الفلسطيني يدفع غالياً ثمن الانتقال من حرب إلى هدنة ومن هدنة إلى حرب وبعد تضحيات جمة بشرية ومادية، ولا ينتقل من الحرب إلى سلام عادل ودائم وثابت؟
وإلى متى يظل يهدر الوقت في مفاوضات تدور في حلقات مفرغة منذ سنوات طويلة ولا تنتهي إلى اتفاق بل إلى هدنات مفتوحة على حروب جديدة تهدر فيها الدماء ويحل الدمار، وإذا ما انتهت إلى اتفاق فإنه يبقى من دون تنفيذ مثل اتفاق أوسلو ومثل اتفاق مؤتمر مدريد وغيرهما من اتفاقات الحبر على الورق؟
الواقع أن إسرائيل لا تريد السلام لا مع الفلسطينيين ولا مع العرب إلا إذا كان سلام استسلام لأن السلام الشامل والعادل ثمنه انسحاب اسرائيل من كل الاراضي العربية والفلسطينية التي تحتلها وهو ما لا تريده لأن ثمة أراضي لا تنوي إسرائيل الانسحاب منها لأنها تشكل حدود أمن وأمان لها، وها هي تضمها على مراحل من خلال الاستمرار في بناء المستوطنات وتفضّل الاستمرار في بنائها على أي تفاوض إذا كان شرطا لوقفها، ولم تنفع في ذلك كل الضغوط الأميركية والأوروبية.
لقد انسحبت اسرائيل من الاراضي التي تحتلها في سيناء لأن لا مطامع لها فيها توصلاً إلى عقد اتفاق سلام مع مصر عرف بـ”اتفاق كمب ديفيد”، وانسحبت من الاراضي الاردنية لأن لا مطامع لها فيها لتحصل في المقابل على اتفاق سلام مع الاردن عرف باتفاق “وادي عربة” ولم تنسحب من هضبة الجولان لأن لها مطامع فيها ولا سيما في مياهها، فاكتفت بعقد اتفاق فك اشتباك مع سوريا حقق لها الامن الثابت على طول الحدود بين البلدين، وهو أمن تفضله على أي سلام تدفع ثمنه انسحابا من اراض لا تريد الانسحاب منها. وانسحبت من الاراضي اللبنانية التي تحتلها في الجنوب أي تلك التي لا مطامع لها فيها مقابل تنفيذ القرار 1701، ولا سيما البند المتعلق بوقف العمليات العسكرية مع “حزب الله”، وهو ما جعل الحدود بين لبنان واسرائيل هادئة ليس بفضل وجود القوات الدولية والجيش اللبناني فحسب بل بفضل إرادة اسرائيل و”حزب الله” التزام قرار وقف العمليات العسكرية وذلك باعتراف الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله نفسه في كلمته الاخيرة عن حرب تموز. وظلت اسرائيل محتفظة بمزارع شبعا وتلال كفرشوبا وجزء من قرية الغجر لأنه قد يكون لها مطامع فيها، وهي لا تجد نفسها في عجلة من أمرها للانسحاب منها ما دام الأمن سائداً على الحدود بينها وبين لبنان. ولم يبقَ ما يعكر هذا الامن سوى حدودها مع الجانب الفلسطيني مستفيدة من انقسام الشعب الفلسطيني بين مجموعة فصائله ولا سيما بين “فتح” وحركة “حماس” وهو انقسام بين من يريد تحرير الارض المحتلة بالمقاومة على أساس أن ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة، ومن يرى خلاف ذلك ويعتقد بأن المفاوضات هي السبيل لاستعادة الأراضي المحتلة خصوصا في غياب التكافؤ في القوة بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية. وعندما زال هذا الانقسام بين الفلسطينيين وتم التوصل الى وحدة موقف من اسرائيل مع قيام حكومة فلسطينية ائتلافية ورؤية واحدة للمفاوضات في القاهرة فقدت اسرائيل مبرر الاستمرار في مفاوضات كسب الوقت مع الجانب الفلسطيني الى ان يكتمل بناء المستوطنات التي ترسم الحدود النهائية لدولة اسرائيل بحيث لا يبقى من الاراضي المحتلة ولا من القدس ما يصلح لاقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة وهي الدولة التي تعهد الرئيس الاميركي باراك اوباما مرارا إقامتها كحل للقضية الفلسطينية، لكنه لم يفِ بتعهده بسبب تعنت اسرائيل ورفضها قيام دولة فلسطينية الا اذا كانت غير قابلة للحياة ومنزوعة السلاح وليبقى شريان حياتها مربوطا باسرائيل…
لذلك فإن حرب غزة ينبغي ان تكون حرباً حاسمة، لا تتوقف إلا بالاتفاق على توقيع سلام بين اسرائيل والجانب الفلسطيني الذي أصبح واحداً موحداً لا أن تنتهي مثل كل مرة باتفاق هدنة تضاف إلى هدنات سابقة مفتوحة على حروب جديدة لا تستفيد منها سوى اسرائيل التي تواصل بناء المستوطنات وتهويد القدس وتهرب من الدخول في مفاوضات حاسمة تنهي النزاع مع العرب والفلسطينيين.
والسؤال المطروح الآن هو: هل تنتهي حرب غزة كما انتهت حرب تموز في لبنان باتفاق يوفر الامن على الحدود مع الجانب الفلسطيني وهي آخر حدود لا تزال مضطربة وغير هادئة، أم أنها لا تنتهي الا باتفاق سلام عادل يعيد الحقوق للشعب الفلسطيني كي يكون للتضحيات الفلسطينية الجمة مردود ولا تكون قد ذهبت هدرا وذلك بجعل الشعب الاسرائيلي الذي باتت ترعبه الصواريخ الفلسطينية يضغط على حكومته كي تقبل بالسلام لأن هذه الصواريخ تنقل للمرة الأولى الحرب الى داخل اسرائيل ولا تبقى كما في الماضي داخل الاراضي العربية، وما يستطيع ان يتحمله الشعب العربي الفلسطيني لا يستطيع أن يتحمله الشعب الاسرائيلي.