بعد الارتياح العربي والدولي لعودة الرئيس سعد الحريري إلى لبنان، تتّجه الأنظار إلى انعكاسات وجوده في لبنان على الوضع الداخلي لا سيما في ما خصّ الاستقرار وإعادة التواصل السياسي بين الأفرقاء الحلفاء منهم وغير الحلفاء، مع أنّ الاتصالات لم تنقطع يوماً خلال وجوده في الخارج خلال السنوات الثلاث ونيف الماضية.
وتفيد مصادر ديبلوماسية واسعة الاطلاع أنّ أهم إنجاز يمكن تحقيقه من خلال وجود الرئيس الحريري في لبنان، ما يتّصل بإعادة شدّ العزيمة نحو الاعتدال السنّي، ورفض التطرّف، والعمل لضبط الساحة السنّية في البداية. إذ إنّه بعد معركة عرسال باتت الدلائل تؤشر إلى وضع خطر لهذه الساحة والتي بدأت تذهب في اتجاه آخر وباتت أصوات تنادي بالتطرّف، الأمر الذي يقتضي ضرورة لملمتها بشكل حاسم وفي اتجاه الاعتدال الذي كان لطالما يدعو إليه الحريري، ووالده الرئيس الشهيد رفيق الحريري من قبله. وبما أنّ الحريري هو الزعيم السنّي في البلد، فدوره الأساسي مطلوب لا سيما في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها الوضع اللبناني متأثراً بحروب المنطقة من حواليه، وما يتّصل بتنظيم «داعش» والإرهاب والتطرّف، وخطورة عقيدته.
كما أنّ الحريري سيقدم التفسيرات لكل مَن يهمّه الأمر من الأفرقاء، وعلى المستوى الشعبي، حول أهمية دعمه للجيش اللبناني، وما يمثّله الجيش من عامل استقرار وأمان وسيادة للبنان على كامل أراضيه، إذ إنّ تمدّد «داعش» كان لافتاً، وأنّ ذلك يتطلب في إطار معالجة الموقف، عودة من الحريري، لضبط الأمور ودعم الجيش كونه الجهة الوطنية التي تحمي البلاد وتوفّر الاستقرار وأنّ ليس هناك من شيء أهم من دعم الدولة.
وأوضحت المصادر أنّه من المرتقب أن يدخل الحريري في حوار مع حلفائه في 14 آذار، حول ضرورة إعادة لملمة الصف الواحد، وأنّ وجوده في لبنان يشكّل عاملاً مهماً لتعزيز الجهود التي تصبّ في خانة وحدة 14 آذار والوصول إلى أهدافها السياسية.
كما تتوقّع المصادر أن تكون لدى الحريري رغبة في تبادل وجهات النظر مع الطرف الآخر، والبحث في مدى استعداد هذا الطرف في السير بانتخابات رئاسية في إطار تقبل به 14 آذار. لكن المصادر تستبعد حصول اختراق في الملف الرئاسي لأنّ الظروف الخارجية المؤثرة لم تنضج بعد. هناك مسألة واحدة إذا جرى تقارب أو تفاهم حولها من الممكن أن تؤدي إلى تفاهم حول الملف الرئاسي اللبناني، ألا وهي المجيء برئيس وزراء عراقي يقبل به الخليج. وإذا كان الخليج راضياً عن حيدر العبادي يعني إمكان حصول حلحلة خليجية إيرانية تبدأ في العراق وتطال الموضوع اللبناني. ما يعني أنّ التفاهم حول العراق سيكون مفتاح التفاهم حول لبنان ويكون شرطاً كافياً للتوافق حول الرئاسة. مع أنّه لا يفترض أن يسير كل شيء بشكل أوتوماتيكي، إنّما الأمر يحتاج إلى جهود.
ولاحظت المصادر حصول اتفاق على رئيس الحكومة العراقي تلا وجود الرئيس الحريري في بيروت وتبع ذلك قبول حماس في فلسطين تمديد وقف إطلاق النار خمسة أيام، ما يؤشر الى مبادرات لحلحلة موضوعية في كل ملف من دون أن يحمل ذلك حلولاً نهائية.
مع الإشارة إلى أنّ إنجاز الاستحقاق الرئاسي يلزمه خيارات عديدة، إما عبر التفاهم الداخلي، لكن هذا لم يظهر بعد، وهو مستبعد في كل الأحوال. وإما عبر بداية تقارب خليجي إيراني مربوط بالملف العراقي. وهذا يظهر في المرحلة المقبلة من حيث بلورة الترحيب الدولي الخليجي الإيراني برئيس الوزراء العراقي الجديد. أمّا بالنسبة إلى التأثير الخارجي الأكثر قوّة، والمتّصل بمصير التفاوض الغربي الإيراني حول إزالة البرنامج النووي الإيراني، فإنّ هناك فترة 4 أشهر، من بعدها ستظهر الاتجاهات، ما يعني أنّ الارتكاز إلى هذا العامل يتطلب مزيداً من الوقت. وإذا لم يتم التفاهم حول العراق، وفي ضوء انتظار اتضاح صورة التفاوض هذا، فإنّ الاستحقاق الرئاسي سيستغرق وقتاً إضافياً، لأن لا تسوية شاملة تلوح في الأفق.
إنّما في كل الأحوال، تعتبر المصادر أنّ الوضع اللبناني لجهة ما بعد عدوان عرسال على الجيش، لا يزال مضبوطاً وأنّ اللبنانيين ليسوا في وضع المنخرطين في عمل عنفي. الوضع خطر بالطبع، لكنه يحتاج إلى لملمة، على أن تبدأ هذه العملية من هنا ومن مرحلة ما بعد عودة الرئيس الحريري إلى لبنان. اللملمة ليست سهلة، وستبدأ ببطء، لكن النهاية هي الأساس، بحيث يتم عزل الوضع اللبناني عن وضع المنطقة الملتهب وتحييده عن تداعيات خطورته. الأمر لا يزال ممكناً بالتزامن مع المساعي الداخلية للتفاهم على العملية السياسية، بدءاً من انتخاب رئيس للجمهورية.