بعدما حلّ الفراغ، أو الشغور كما يفضّل البعض، وُضع الرئيس المقبل وديعة سرّية لدى “التوافق” السعودي – الايراني، وكأن الجانب اللبناني المعنيّ الأول بهذا الاستحقاق يقول إنه فعل ما هو في مستطاعه – جلسة يتيمة ثم تعطيل للنصاب – وما على الآخرين سوى أن يقوموا الآن بواجبهم، فعندهم الأسماء ولهم الخيار. وعدا أن ذلك “التوافق” ليس مضموناً زمنياً، ولا حُسنَ اختيار، ولا يتعلّق بلبنان فحسب، فإن أكثر المروّجين له يقدّمونه باعتباره مرادفاً أو حتى عنواناً لاختيار العماد ميشال عون مرشحاً “وفاقياً” للرئاسة، بحسب مصطلح ابتدعه “حزب الله”.
ولتأكيد ذلك، وصف السيد حسن نصرالله ترشيح سمير جعجع بأنه “ترشيح تحدٍ” لقطع الطريق على “ترشيح جدّي” يقصد به ميشال عون. يفهم من ذلك أن عون مرشح نصرالله، وإنْ لم يعلنه بصريح العبارة. واذا كانت لدى الامين العام لـ “حزب الله” أسبابه لعدم تأييد جعجع فهذا حقّه، لكن ليس من شأنه أن ينكر على جعجع أو سواه حقّه في الترشيح أو يعتبره تحدياً و”استفزازاً”. وكالعادة، لا يكترث نصرالله لرأي لبنانيين آخرين لديهم مآخذ كثيرة على تسلّط “حزب الله” على عون وعلى ممارسات الأخير ومساهمته في تبرير السلاح غير الشرعي وتخريبه الحياة السياسية في البلد طوال الأعوام الثمانية الأخيرة.
الواقع أن “حزب الله” وضع الترشيح غير المعلن لعون على طاولة المساومة، ودفعه الى “محاورة” سعد الحريري، فإذا نجح في انتزاع تأييده يضمن الحزب فوز مرشحه بأصوات الفريق الآخر، وإذا لم ينجح يبقى ضامناً وجود عون حليفاً له ضد أي رئيس يتقاسمه مع الفريق الآخر. لكن ما يمكن أن يبرر تأييد الحريري لمرشح سبق أن قطع له “وان واي تيكت”، تذكرة ذهاب (الى خارج البلد) من دون اياب، هو استعداد هذا المرشح لتوقيع اتفاق سياسي واضح وشفاف. واذا وجد اتفاق كهذا، وأياً تكن بنوده، فإنه لن يتضمن سوى هدف واحد: أن يتعهد المرشح (أي عون في هذه الحال) تنفيذ ما يلزم الدستور الرئيس به، وبالأخص حماية الدولة والسيادة والتعايش الوطني. وهذا ما يناقض نهج “حزب الله”، وقد حاوله ميشال سليمان فهاجمه الحزب وسحب اعترافه به رئيساً، ولم ينسَ أحد الحملات الضارية التي شنّها عون في فترات سابقة على سليمان، مقللاً من شأن موقعه الدستوري.
في أي حال، لا يجيب فريق 8 آذار المراهن على “التوافق” السعودي – الايراني عن السؤال: لماذا تزكي السعودية مرشحاً تعرف مسبقاً أنه مرشح ايران وحلفائها، وأن أي تعهّدات قد يقدمها لن تعني أبداً مغادرته الموقع الذي هاجمها منه طوال أعوام؟ قد يكون نصرالله أعطى جواباً بالغ الوضوح عندما كرر أخيراً أن “النظام السوري ومحور المقاومة في صدد الانتصار”… والمنتصر يفرض شروطه على نحو ما كتب كثيرون: إما عون وإما الفراغ والفوضى.