Site icon IMLebanon

هل للتطرف بيئة لبنانية حاضنة؟

هل للتطرف بيئة لبنانية حاضنة؟

“الداعشوفوبيا”.. بين تكبير الحجر والتهديد الجدي

في بيئة سياسية ومدنية طبيعية سوية تنتمي إلى العصر، كان يمكن ان يشكل بيان “لواء أحرار السنة – بعلبك”، مادة دسمة للتندر.. وإعلان “دولة الخلافة” مناسبة لرسم سيناريوهات مبكية ـ مضحكة، وتعميم قرارات بلديتي عبرا وطرابلس فرصة لمحاكمة ثقافة تزحف إلينا من خارج المألوف. الا اننا نعيش خارج الزمن وخارج منطق التاريخ، والارجح خارج كل منطق.

أصبح لنا خليفة وامير. واصبح ارتشاف كهل لفنجان قهوة في مكان عام يكلفه حياته ويهدد امن مدينة ووطن. هي مؤشرات لزمن آت غير الذي خبره اللبنانيون وعاشوه. زمن تتصدر فيه “داعش” وأخواتها كل الاهتمام والمخاوف.

سواء انحاز اللبنانيون الى اعتبار “داعش” ومن يدور في فلكها “انتاجا مخابراتيا” (سوريا أو غيره)، او كانوا مقتنعين بـ”تجذَّر الفكر الداعشي وتوسعه في بيئات حاضنة معينة”، الا ان المخاوف تبقى نفسها.

ان تكون “داعش” او من ينتسب الى “فكرها” في الوطن والمهجر بيننا، يعني اننا وسط حفلة جنون مشرّعة على كل الاحتمالات التي لا يمكن التكهن بها. تساوي “داعش” بين اللبنانيين وتوحدهم في خوفهم. السنة المعتدلون يتساوون مع الشيعة والمسيحيين. الجميع مستهدف، الا من انتسب الى “فكرها” ومعتقداتها.

وبرغم “الداعشوفوبيا” التي تجتاح اللبنانيين، الا ان الاسئلة حولها تبقى محتاجة الى اجابات دقيقة ابعد من الاطار الامني او المزايدات السياسية. فما هو حجم “الداعشيين” في البلد وأين ينتشرون؟ هل لايديولوجيتهم ولسلوكهم بيئات حاضنة او متعاطفة؟ هل يملكون مشروعا للبنان؟ ما هي اولوياتهم فيه؟ من يتصدر لائحة استهدافاتهم؟

تنطلق اجابات السياسيين عن مثل هذه الاسئلة من خلفيات انقسامهم. الايجابية الوحيدة انهم جميعا يدينون سلوك المتطرفين ويؤكدون خطورتهم. لكن الاستطراد في التشريح يعكس الانقسام القائم حول كل تفصيل، بما فيه “داعش” التي تهدد الجميع.

يؤكد مطلعون ان القوى الامنية، بدعم من أجهزة استخبارية دولية، “استطاعت ان تحبط الكثير من المخططات الارهابية. كما انها تضع تحت المراقبة المشددة والضغط الامني كل المناطق او البؤر التي يمكن ان تشكل ملجأ او حاضنة للمتطرفين”. لكن هل يكفي ذلك لطمأنة اللبنانيين؟

قد تبدو الاجابة بالنفي بديهية. الخوف حالة معممة. واذا كان يراد للصراع السني – الشيعي أن يكون هو العنوان العريض في المنطقة، فإن المسيحيين اللبنانيين يجدون انفسهم عنوانا فرعيا، شديد التفصيل، في صراع كهذا.

ما كان ينقصهم سوى بيان “لواء احرار السنة”. سواء صدقوه ام لا، سواء اعتبروه فبركة اجهزة او اخذوه على محمل الجد، وسواء أكان حقيقيا أم وهميا.. فان احساسهم بالقلق المصيري يزداد.

يؤكد مسؤول في “التيار الوطني الحر” ان “التطرف الذي يجتاح المنطقة لا يحتاج الى بيان او تهديد ليعلن عن نفسه. نحن نأخذ كل هذه الامور على محمل الجد ولنا في بلدان الجوار من العراق الى سوريا ومصر شواهد وأمثلة عن اقتلاع ناس من ارضها وجذورها. الارهاب والتطرف خطران يهددان لبنان والمنقطة والعالم ولا بد من خطة وطنية متكاملة لمجابهتهما، وأي تبرير للتطرف أو ايجاد اسباب تخفيفية له، كما يحاول البعض ان يفعل، فهو تعاطف ضمني”.

لا يختلف قلق مسيحيي “14 آذار” عن المنضوين الى الجهة السياسية الاخرى. يقر احد المعتدلين فيها بان “الارهاب صار داخل اسوار البيت اللبناني. واذا تجاوزنا اسبابه ومنطلقاته ومن استدرجه، يمكن الجزم بثقة بان لا افق للتطرف في لبنان”، يضيف “قد يكون لبنان متساهلا في انحراف الديموقراطية عن مسارها، وقد يكون متواطئا في مواضيع الهدر والفساد. قد يحتمل صراعا جوهريا ومئات الصراعات التفصيلية، لكن الاكيد ان لا مكان للتطرف فيه ولا بيئة متعاطفة او حاضنة. ذلك يتعلق بتركيبته وبطبيعة اهله”.

يستدرك القيادي نفسه في “14 آذار” بالقول “لا يعني هذا الكلام غض النظر عن تحولات تصيب بعض المجتمعات اللبنانية. تحولات يمكن رصدها في بيئات معينة حيث للواقع الاجتماعي والثقافي دور جوهري. لكن اذا اردنا الانصاف لقلنا ان المجتمع اللبناني تحول الى مجتمعات منذ عقود. مجتمعات تجاوزت انقسامها الطائفي الى انقسام ديني مع صعود نجم “حزب الله” وفرض اسلوب حياة متكامل على البيئة الشيعية. اليوم نرى المشهد نفسه يتكرر في بعض الاوساط السنية. والخوف ان ينجح بعض المتطرفين في اختراق هذه البيئة. هذا سيعقد الامور ويطيل الازمة”. يختم “الامور مرهونة بخواتيمها التي لن تكون الا لمصلحة لبنان المتعدد النابذ للعنف والارهاب وكل تطرف”.