في واحدة من مرات الحرب اللبنانية هدد البطريرك الماروني انذاك الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير باعلان الحرم في وجه العماد السابق قائد الجيش ميشال عون وقائد القوات اللبنانية سمير جعجع على خلفية رفضهما وقف اطلاق النار بعد مواجهات قتالية اوقعت المئات من القتلى والجرحى من الطرفين (…) وهناك من ينصح في هذه الاونة بالتلويح بالحرم في حال استمر صراع الجنرال والحكيم على موقع رئاسة الجمهورية بلا طائل، ما يوحي بأن الاستحقاق الرئاسي قد يذهب هدرا، اذا ما تواصلت مواقف الاثنين مناهضة لبعضها البعض.
وما يعزز هذ التصرف من خوف الاثنين على مواجهة الحرم هو التكتل الماروني حول بطريرك الطائفة، بعكس ما كان سائدا في نهاية الثمانينات، حيث كان الموارنة منقسمين بين جهتين لا ثالثة لهما فهل ما يعيد الى الذاكرة امكان اعلان الحرم اقله في وجه من يرفض العمل بالدستور، اي انه يقاطع جلسات الانتخاب ويتصرف على اساس افقاد النصاب النيابي والمقصود هنا هو العماد ميشال عون الذي يتطلع الى ان يربح المعركة بعد وصول بعبدا الى الفراغ، وهذا ما يجافي الدستور والواقع السياسي والاخلاقي كي لا نقول الطعن في صلب القوانين ليس الا؟!
المعروف ان جعجع اعلن صراحة انه على استعداد لان يبارك للعماد عون الرئاسة في حال نجح في الانتخابات، بينما يصر الاخير على رفض الترشح الا في حال كان رئيسا توافقيا، مع العلم ايضا ان تصرف عون يجر حلفاءه معه الى مقاطعة الانتخاب كي يتجنب الخسارة معتمدا على افقاد النصاب وهذا مرشح ان يستمر طويلا بدليل ما هو سائد نيابيا وسياسيا عشية اجراء الانتخابات وعشية شعور الموارنة كنيسة وسياسيين بان المنصب الرئاسي مرشح لان يذهب باتجاه المجهول.
واذا سلمنا جدلا بأن عون وجعجع لا بد يخافان من الحرم، هناك من يسأل عن سبب عدم اعلانه بوجههما، اضافة الى امكان استخدام الكنيسة المارونية ثقلها في وجه موارنة عون وجعجع الى حد مقاطعتهم، في حال لم يعملوا بما تمليه عليهما بكركي من تعليمات تعيد الرئاسة الى بريقها الوطني والاخلاقي، والا لن تكون رئاسة في المستقبل المنظور (…)
الذين مع وجهة النظر هذه يجمعون على ان الكلام التقليدي لن يقدم ولن يؤخر في مجال تعزيز موقع رئاسة الجمهورية بحسب ما سبق لكثيرين من السياسيين والمسؤولين والنواب ان اظهروا في مجال تعاطيهم مع بعبدا موقعا ورئاسة، لذا لا بد من سؤال الاقطاب الموارنة خصوصا عما يمنعهم من ان ينصحوا بطريرك الطائفة باعلان الحرم قبل ان تتسرب الرئاسة من بين ايدي من لم يعرف معناها ومبناها الحقيقيين، لاسيما ان البطريرك الراعي اظهر في الاونة الاخيرة تشددا لم يصل الى حد مقاربة الحرم كي لا تنقلب الطائفة عليه؟!
واذا كان من مجال للقول ان «فقدان الرئاسة المارونية سيفقد بكركي ثقلها السياسي والمعنوي والوطني»، فان البطريرك الراعي سيكون مطالبا اكثر مما سبق بأن يتصرف بحزم في مخاطبته عون وجعجع بما في ذلك افهام من يتقاعس عن حضور جلسات الانتخاب انه سيكون امام خطر مقاطعته، بما في ذلك اعلان الحرم في وجهه، اضافة الى ان بكركي ان وظفت ثقلها في هذا الصدد، فان غيرها من السياسيين لا يزالون على تصلبهم مع ما يعنيه ذلك من افقاد رمزية بكركي الدينية والوطنية!
الواضح في هذا السياق ان البطريرك الراعي غير مقتنع بانه قادر على حسم الخلاف بين عون وجعجع وهو وان لم يقدم على مواجهة التطورات السلبية فانه سيكون مطالبا بأن يفعل اي شيء كي لا يتهم لاحقا بأنه تقاعس عن القيام بالمطلوب منه ومعه جميع فاعليات الطائفة من دون توفير اي طرف من هؤلاء والامر عينه ينطبق بشكل او بآخر على قيادات سياسية ومسؤولين من الطوائف الاخرى ممن يتفرجون على الصراع الماروني الدائم، اقله بالنسبة الى من لديه قناعة وطنية تحتم عليه المشاركة في حضور الانتخاب ومواجهة فقدان النصاب الذي يكاد يتحول لاحقا الى «سيف ذو حدين»!
المهم ان لا يستمر الدوران في حلقة مفرغة كي لا يصل البلد الى فراغ رئاسي، مع علم الجميع ان مجلس الوزراء مرشح لان يحل محل سلطة الرئيس الذي يبدو وكأنه من دون سلطة؟!