Site icon IMLebanon

هل يتبنى المستقبل نظريّة «التهويل» هروباً من «التفاهمات» أو تبريراً «للتراجعات»؟

قوى 14 آذار خسرت «بالنقاط» وغياب الخطّة «باء» يضع الاستحقاق الرئاسي في المجهول إتهام حزب الله بتنفيذ عمليّات أمنيّة لفرض مُعطيات رئاسيّة «بضاعة» غير قابلة للتسويق

هل يتبنى المستقبل نظريّة «التهويل» هروباً من «التفاهمات» أو تبريراً «للتراجعات»؟

الشغور في موقع الرئاسة الاولى لم يكن مفاجئا لاي من القوى السياسية المحلية والاقليمية والدولية، فالجميع كان يدرك انه لا مفر من الفراغ الرئاسي في ظل غياب التفاهمات الخارجية، وعدم توافر اختلال كبير في موازين القوة المحلية يسمح لاي من الاطراف بأن يفرض رئيسا على الطرف الاخر، وهذا ما يطرح سلسلة من الاسئلة المهمة عن كيفية ادارة الاطراف المؤثرة فترة الشغور التي تحتاج الى «عدة شغل» جديدة لمواكبة الفترة الفاصلة والتحضيرية لمناخات ولادة رئيس جديد، بالتزامن مع ارتفاع حدة الخطاب المحذر من احداث امنية واغتيالات لقلب المشهد السياسي العام في البلاد، وهي صدرت على شكل تحذير من رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، واتهام مباشر لحزب الله من قبل النائب السابق فارس سعيد بصفته «القائد الاعلى» لقوى 14 آذار، بأن الحزب سيلجأ الى العمل الامني لفرض الوقائع الرئاسية…؟؟

اوساط سياسية رفيعة في 8 آذار، ترى ان من يدعي امتلاكه خطة «باء» من الاطرف المحليين للتعامل مع فترة الشغور، يمارس عملية «غش» كبيرة للرأي العام الذي يدرك بأن القوى السياسية اللبنانية لا تملك هامشا كبيرا للمناورة في تسهيل الاستحقاق رغم القدرة المتبادلة على التعطيل، وهذا يفتح «الابواب» على «المجهول». فانتخاب رئيس جديد شيء ومنع حصول العملية الانتخابية شيء آخر، فالرئيس العتيد لم ولن يكون نتاج حسابات محلية، ومن الواضح انه بات انعكاسا لعملية التفاوض الاقليمي والدولي، وهو سيكون نتاج معادلات خارجية بعد ان ثبت «بالوجه الشرعي» ان القوى الدولية والاقليمية المؤثرة اتخذت قرارا بعدم فصل الملف الرئاسي عن ملفات المنطقة الساخنة، او على الاقل اعطت لنفسها مساحة زمنية جديدة للتفاوض عليه، وهذا ما يفسر الاخفاق في اتمام الاستحقاق في الموعد الدستوري المحدد، كما يفسر عملية «التعطيل» المتبادلة التي ادخلت موقع الرئاسة مرحلة «الشغور».

وانطلاقا من هذه المعادلة يمكن فهم حقيقة ما قاله الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الاخير، عندما تحدث عن غياب النيات الجدية لدى الفريق الآخر باجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده من خلال «المناورة» للتسويق للتمديد وفرضه كأمر واقع في ظل العقبات المقصودة التي وضعت في طريق «التفاهمات» المعقولة على هوية الرئيس الجديد. فقوى 14 آذار وفي مقدمتها تيار المستقبل تقول الاوساط لم تحصل على ضوء أخضر اقليمي ودولي لاجراء الاستحقاق فاختارت طريق «الفراغ المقنع» عبر العمل الدؤوب للتمديد للرئيس ميشال سليمان على ان تكون هذه المساحة الزمنية «لعب» في الوقت الضائع عله تتغير بعض المعطيات خارج الحدود فتكون نتائج اي مفاوضات سعودية – ايرانية افضل من الظروف الراهنة.

ولذلك لم يتقدم «التيار الازرق» بأي خطوة جادة لفتح حوار حول هذا الاستحقاق مع حزب الله، وبقيت الاتصالات مع الجنرال ميشال عون تراوح مكانها دون الحسم السلبي والايجابي، وكل المغريات التي قدمت لجهة سحب ملف السلاح من التداول، وكذلك خفض الانتقادات لمسألة مشاركة حزب الله في الحرب السورية، وتقديم حزمة من «المكاسب» الوظيفية للتيار الوطني الحر في قيادة الجيش وغيرها، كلها اغراءات لم تجد اي صدى لدى قيادة حزب الله لسببين، بحسب الاوساط: الاول ان الرئيس سليمان قطع «شعرة معاوية» مع الحزب بعد حسابات خاطئة لمجريات الحرب السورية، حاول لاحقا استدراك الامر فاقفلت «الابواب في وجهه»، فذهب بالتصعيد بعيدا فجلب الضرر لنفسه ولقوى 14 آذارالتي لم تعد قادرة على تسويقه لدى الطرف الآخر.

– اما السبب الاخر فيرتبط برغبة الحزب في احراج هذه القوى وعدم تقديم اي تسهيلات لها للخروج من مأزقها الراهن في مواجهة «الفراغ»، فهي مطالبة الان بحسم مواقفها واتخاذ قرارات حاسمة بعد ان ضاق «هامش» المناورة خصوصا انها لا تملك اي خطط بديلة عن التمديد، فالاستمرار في ترشيح رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع يعني الاستمرار «بمراوغة» باتت محرجة، وتيار المستقبل معني الان بتقديم اجابات واضحة للجنرال عون ليبنى على الشيء مقتضاه، وهذا يعني حكما تفعيل الحوار الجدي لمقاربة الاستحقاق الرئاسي، بعد ان انتهت الجولة الاولى من «الكباش» الى خسارة قوى 14آذار لرئيس انحاز بالكامل لمشروعها السياسي، وفشلت في حمايته سياسيا.

وعندما اكد السيد نصرالله بأن المقاومة لا تحتاج الى رئيس يحميها بل هي من تحمي الوطن والامة والدولة، لم يكن فقط يضع الخطوط العريضة لهوية الرئيس المقبل او يفسر لماذا «سقط» مشروع التمديد للرئيس السابق، وانما اراد ان يفهم الفريق بأن قوة المقاومة ومنعتها لا ترتبط ان بهوية الرئيس المقبل، فلكل موقع حساباته وتأثيراته، ولذلك ثمة فصل تام تضيف الاوساط لدى حزب الله في مقاربة الملفين، ففي ملف المقاومة «الشغل ماشي» سواء انتخب رئيس او بقي الفراغ مستمرا، ولذلك فان خصومه غير قادرين على استثمار اي من انواع الضغوط ضده في الملف الرئاسي، وهو لا يحتاج هنا الى اي خطة بديلة للتعامل مع هذا الاستحقاق، ومنذ اليوم الاول ترك التفاوض للجنرال عون «والكرة» الان في «ملعب» الرئيس سعد الحريري المطالب بتقديم البدائل بعد انتهاء فترة «المراوغة».

وفي هذا السياق يأتي الحديث عن الخوف من احداث امنية لتغيير الوقائع الرئاسية، وبحسب تلك الاوساط، من المبكر الحكم عما اذا كان هذا «التخويف» هو الخطة البديلة لدى تيار المستقبل في غياب الخطة «باء»، لكن ثمة ثوابت وحقائق لا يمكن تجاهلها وهي ان اتهام حزب الله «بضاعة» غير قابلة للتسويق، فالحزب اثبت انه ليس معنيا باستخدام العنف على انواعه في الملفات الداخلية ومنها فرض حقائق رئاسية، فهذا الموقع غير مؤثر في استراتيجيته، فطالما ان المقاومة «بخير» فان الحزب «بخير»، وهو لا يتحرك ميدانيا الا لمواجهة المخاطر الجدية حول مستقبل المقاومة، هذا ما يحدث في سوريا اليوم، وما حدث خلال الحروب مع اسرائيل، وما حصل ايضا في السابع من ايار 2008، وهنا من المفيد التذكير انه عندما «انتصر» ميدانيا لم يسع يوم ذلك الى فرض الرئيس الذي يريده، مع العلم ان الظروف كانت مؤاتية، لكن وعلى العكس من ذلك جرى التفاهم في الدوحة على انتخاب الرئيس «التوافقي» ميشال سليمان، وعاد الرئيس فؤاد السنيورة الى القصر الحكومي.

وانطلاقا من هذه المعطيات، تؤكد الاوساط ان من يسوق لهذه النظرية يحاول تعبئة الفراغ «بالكلمات» غير المناسبة التي يمكن ان يتسلل منها من يريد «الاصطياد في الماء العكر» لتعطيل اي تفاهمات يجري العمل عليها وراء «الأبواب المغلقة»، وهذا يذكر بما حصل خلال الاتصالات لتشكيل الحكومة الراهنة، فقلة قليلة كانت تعرف ان المفاوضات كانت قد قطعت اشواطا مهمة قبل اغتيال الوزير محمد شطح، وما كان يدور في «الكواليس» عبر قنوات اتصال جانبية كان يتناقض مع «الصراخ العالي» لبعض «الجهلة» الغائبين عن مراكز القرار الحقيقي، وقد جاء اغتيال شطح يومذاك للتخريب على هذه الاتصالات، ومن خلال ما جرى بعدها من تطورات، يمكن الاستنتاج ان تيار المستقبل والرعاة الاقليميين الضالعين في عملية التفاوض ادركوا ان من نفذ عملية الاغتيال اراد ان يخرب التقارب الحاصل مع الطرف الآخر، وهذا ما يفسر المضي في التواصل مع حزب الله والتيار الوطني الحر الذي انتج لاحقا «الشراكة» الحكومية القائمة. فهل هناك من يحاول «التهويل» لقطع الطريق امام احتمالات التفاهم الرئاسي؟ وكيف سيتصرف تيار المستقبل مع هذه «النظريات»؟ هل سيستخدمها «شماعة» للهروب من «التفاهمات»؟ ام يتبناها في سياق الحاجة لتقديم تبريرات للتراجع عن التزامات قدمها لحلفائه في الاستحقاق الرئاسي؟ الايام والاسابيع المقبلة كفيلة بتقديم الاجابات.