الدورة الأولى: أوراق بيضاء أو انسحاب.. أو بديل
هل يحصل جعجع على «عفوِ ثانِ»؟
انتهى وقت المواقف المجّانية. في 23 نيسان سيبدأ صرف كل الكلام الذي تردد على أعتاب رئاسة الجمهورية. مجالات المناورة لا بد أن تضيق بعد ذلك التاريخ. طالب كُثر بعقد الجلسة الانتخابية وعندما تحققت تبيّنوا أنهم غير جاهزين بعد. ذلك، استدعى تكثيف الجهود اللوجستية الرامية إلى خروج الاستحقاق بما يرضي أصحابه.
لا أحد يتوهم أن الرئيس سيُنتخب يوم الأربعاء المقبل، إلا أن ذلك لا يمنع استنفار المرشحين وكتلهم لإخراج مشهد انتخابي يؤدي، على الأقل، إلى كسبهم المعركة بالنقاط. كل نقطة ستُجمع قد تكون مفيدة في حسابات الدورة الثانية أو عندما تحين لحظة الحسم الدولية.
في “8 آذار”، لا يقل التوتر والاستنفار عن نظيره في “14 آذار”. إلا أن هذا التوتر يأخذ طابعاً أقل حدة، إذ أنه لا يتعلق بالتنافس بين مرشحي هذا الفريق، إنما بطريقة إدارة المنافسة مع الخصوم.
العماد ميشال عون وضع النقاط على الحروف باكراً، رافضاً حرق أوراقه في الدورة الأولى، والدخول في منافسة مع سمير جعجع ستضره أكثر مما تفيده. أما النائب سليمان فرنجية، فحسم أمره بعدم تعقيد الأمور داخل فريقه، مفضلاً وحدة الصف. أما الحديث عن مرشّح واحد، فيتوقع أن لا يكون أولوية، خاصة أن تكتيك عون الحالي مبني على عدم المواجهة مع أحد.
مع ذلك، فإن التوتر يعود إلى ما يمكن أن يحققه جعجع مقابل أي منافس من “8 آذار”، في حال استطاع أن يحصد كل أصوات فريقه التي يمكن أن تصل إلى نحو 60 صوتاً.
هذا السيناريو لا يزال حتى الآن مستبعداً، برغم أن قياديي “14 آذار” يلهثون لتعزيز صمود جبهتهم الرئاسية. ثمة الكثير من الجهد الذي يُبذل للوصول إلى تسوية ما تمنع تشتت الأصوات. صحيح أن المرشحين كثر، إلا أن العقدة الحقيقية تتركز بين بكفيا ومعراب. بطرس حرب وروبير غانم حيّدا نفسيهما عن الدورة الأولى، فيما يعمل جعجع جاهداً لإقناع الرئيس أمين الجميل بترك الساحة له يوم الأربعاء… طالما أن الأمر لن يقضى حينها.
حسابات جعجع لا يمكن أن تكون رئاسية، يقول مصدر متابع، إذ أن أي عاقل يمكن أن يعرف أن الرئاسة اللبنانية لا تُخاض بالمؤتمرات الصحافية أو بالبرامج الانتخابية. يعرف جعجع ذلك جيداً، لكنه مصرّ على أن يكون مرشح الدورة الأولى تحديداً.
الحصول على نسبة أصوات مرتفعة تعني الكثير له، لكنها تحتاج إلى الكثير من الحنكة في التعامل مع الواقع الآذاري نفسه. عندما يقترع النواب في الصندوق، سيكون من الصعب لجم التناقضات. قد يكون للمرشحين حسابات، تجبرهم على تسليف جعجع في الدورة الأولى، مع أمل في الحصول على أصواته لاحقاً، إلا أن ذلك لا يعني إمكانية حصوله على بلوك أصوات فريقه. وعلى سبيل المثال، هل يصوّت روبير غانم لجعجع بالرغم من أن عين الأخير على مقعد غانم في البقاع الغربي، وهو لم يتردد للحظة في ترشيح بديل له إلى الانتخابات التي لم تجر؟ هل يصوت النائب ميشال المر لجعجع، في الوقت الذي يحكى عن تقارب مع عون؟ هل يلتزم كل مسيحيي “14 آذار” بترشيح من يرفض الاعتراف بشرعيتهم التمثيلية ولم يتردد في ترشيح بدلاء لهم في كل المناطق؟ علماً أن الأمر نفسه ينطبق على معظم نواب “المستقبل” المسيحيين (كان لافتاً مشاركة النائب هادي حبيش في إعلان جعجع لبرنامجه الانتخابي، بالرغم من ترشيح “القوات” لبديل له في عكار).
في “8 آذار” لم يعد يُنظر إلى ترشيح جعجع إلا على أنه فخ يُراد للنواب أن يقعوا فيه، بغض النظر عما إذا صوتوا له أم لم يصوتوا. بالنسبة لهؤلاء ليست الرئاسة هي هدف معراب، بل عدد الأصوات. أن يتخطى جعجع عتبة الخمسين صوتاً، فذلك ليس تفصيلاً. عندها يمكنه أن يقف في وجه كل من يعيبون عليه تاريخه، مبرزاً “شهادة رسمية” تُثبت إبرام العفو عنه. هذا قد يمحو من سجله أنه خرج من السجن بعفو خاص شمل أيضاً المتورطين في أحداث الضنية. “العفو الجديد” لن يكون تفصيلاً… سيكون مرفقاً بتأييد من نحو نصف عدد نواب الأمة لوصوله إلى سدة الرئاسة الأولى.
لم تتفق “8 آذار” بعد على كيفية الخروج من “الفخ”. الاحتمالات عديدة، لكنها ستكون مهجوسة بكيفية إفشال مخطط جعجع. حتى الآن ثمة ثلاثة احتمالات يتم تداولها: ترشيح أحد نواب “8 آذار”، على أن يضمن التفوق على جعجع، وقد طُرح اسم النائب إميل رحمة بشكل غير رسمي، التصويت بورقة بيضاء بحجة عدم وجود مرشح في الدورة الأولى، أو الانسحاب من الجلسة وتطيير النصاب. ربما يميل العونيون إلى الاحتمال الأخير، إلا أنهم لا يزالون محرجين من اعتماده، خاصة أنهم كانوا سبّاقين في المطالبة بعقد جلسة انتخابية.