واشنطن تتفهّم «التوازن الرباعي».. ولا تتبناه
بات محسوما ان لبنان بلا رئيس للجمهورية اعتبارا من 26 ايار 2014، والى اجل غير مسمى. وفي هذا التاريخ، سيخلع الفراغ الرئاسي على حكومة تمام سلام لقب «فخامة الحكومة».
ومن الآن وحتى انتهاء ولاية ميشال سليمان، سيتكرر العرض الهزلي في مجلس النواب، وسيصاب سمير جعجع مجددا بالإحباط، فيما هو المدرك اصلا استحالة عبوره الى الرئاسة، وهو المتيقن ان الفراغ حتمي، وان الرئيس العتيد ليس نتاج لعبة داخلية، وأنه لا يأتي إلا من ضمن تسوية اقليمية دولية كبرى، كما دلت التجارب السابقة، وهذا هو مآل الامور في نهاية المطاف.
المرشحون المفترضون اعدوا أوراق اعتمادهم واودعوها السفارات، وينتظرون تدحرج كرة التسوية لتحدد من هو المحظوظ منهم، وعيونهم جميعا على واشنطن واي مسار ستسلكه في زمن الفراغ الرئاسي، ومن هم شركاؤها الحقيقيون في انضاج طبخة التسوية الرئاسية؟
ثمة من يربط وضوح الصورة الرئاسية بمحطات اقليمية، تارة بالانتخابات الرئاسية المصرية، وتارة اخرى بالانتخابات الرئاسية السورية في تموز وبالتطورات العسكرية في ميدان الازمة السورية، وصولا الى مفاوضات الـ«5 + 1» مع ايران التي ستخضع لامتحان الوصول الى اتفاق نهائي قبل 20 حزيران. ويذهب البعض الى الرهان على ان انتخابات الرئاسة لن تحصل قبل ايلول المقبل، بما يقدم الذريعة الموضوعية للتمديد للمجلس النيابي قبل نهاية ولايته في تشرين الثاني المقبل.
وربطا بذلك، تبقى المرحلة انتظارية بامتياز حتى يتصاعد دخان التسوية، واما الخط الرئاسي فيبقى محكوما، بما سماه احد الديبلوماسيين «حراك تجميع الاوراق والمعطيات» الذي تقوم به واشنطن عبر سفيرها في لبنان دايفيد هيل ما بين بيروت والرياض، والذي انتهى حتى الآن الى الخلاصات التالية:
– يتفهم الاميركيون، ومن دون ان يتبنوا، فكرة «التوازن في الرئاسات». ويقول مطلعون ان طرحا جديا تلقاه هيل من بعض الفرقاء اللبنانيين، يرمي الى بناء «مربع توازن» او «التوازن الرباعي» الذي يقوم على ميشال عون رئيسا للجمهورية، نبيه بري رئيسا لمجلس النواب، سعد الحريري رئيسا للحكومة وليد جنبلاط او من يسميه وزيرا للداخلية.
– السعوديون حاضرون في الاستحقاق، ولكنهم في المركب الاميركي.
– لا دور جديا للفرنسيين ابعد من تمني الرئيس الفرنسي على وليد جنبلاط بأن يلعب دورا محوريا في الاستحقاق.
– لا كلام ايرانياً حتى الآن في الموضوع الرئاسي اللبناني، وشعار الايرانيين في هذه الفترة «الانتخابات الرئاسية شأن لبناني»، لكنهم في المقابل لم يغلقوا الباب وإنما اعطوا اشارات بانهم يقاربون المسائل وفق مواقيتهم.
– السعوديون يماشون ترشيح سمير جعجع، والاميركيون لا يستسيغون هذا الترشيح المحكوم بالفشل المسبق، لكنهم يعتبرون ذلك نوعا من اللعب في الوقت الضائع.
– قبل 25 ايار 2014 لن يكون هناك اي قرار اميركي يتصل بالاستحقاق الرئاسي، وستعطي واشنطن للبنانيين المدى المطلق في هذه الفترة لعلهم يتمكنون من التفاهم على رئيس.
– الاميركيون على يقين من عدم امكانية وصول اي من «اقطاب الموارنة» الى السدة الرئاسية، بمن فيهم ميشال عون، ولقد طرح سؤال اميركي في احدى الغرف المغلقة: «كيف يمكن ان نتجاوز عقدة عون، وماذا يمكن ان يقال له؟» فجاء الجواب بما حرفيته: «لعل افضل المخارج هو ان تقنعوه بأن يسمي الرئيس ويأتي بـ«تمام سلام مسيحي»، أي كما خرج تمام سلام من كتلة سعد الحريري، يخرج رئيس الجمهورية من كتلة عون.
– الاميركيون على يقين ان حظوظ التمديد لميشال سليمان قد تقلصت الى الحدود الدنيا، وبلغتهم الرغبة البطريركية بالتمديد سنة لسليمان. وثمة جواب نقله «احد الاصدقاء» وفيه: «الأمر صعب جدا، ولا قدرة لأي فريق لبناني او اقليمي او دولي ان يفرضه».
تلك الخلاصات تتقاطع مع خلاصات مماثلة تضمنها تقرير ديبلوماسي ورد من واشنطن الى مراجع لبنانية، واللافت للانتباه ان الادارة الاميركية تقارب الاستحقاق الرئاسي ربطا بالازمة السورية وتداعياتها. وتضمن التقرير:
– واشنطن، ومن حيث المبدأ، لا تؤيد الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية.
– واشنطن مع «اختيار» الرئيس الجديد في الموعد الدستوري للانتخابات.
– ليس للولايات المتحدة، اي مرشح محدد حتى الآن.
– تعتبر واشنطن ان «اختيار» الرئيس سريعا يمنع امكانية الاخلال بالاستقرار السياسي والامني والاقتصادي، ويحول دون انقياد لبنان الى التورّط اكثر في الحرب القائمة في سوريا.
– تعتقد واشنطن ان كل الاطراف اللبنانية، بدءًا من «حزب الله» وصولا الى «14 آذار»، لديها مصلحة مشتركة، في إبقاء الحرب القائمة في سوريا بعيدة عن لبنان.
– تراقب واشنطن بقلق اوضاع النازحين السوريين والتزايد المطرد لأعدادهم في لبنان.
– تعتقد واشنطن ان اعادة بناء المؤسسات في لبنان، وفي مقدمتها رئاسة الجمهورية، بالاضافة الى دعم القوات المسلحة اللبنانية، وكذلك تقديم المساعدات الانسانية، ضرورة من شأنها ان تؤدي غرض منع انتقال الحرب السورية الى لبنان.