هل ينعقد اللقاء السعودي – الايراني ومتى؟ وهل يكون لبنان من ضمن مواضيع البحث سواء كموضوع مستقل عن المواضيع الأخرى أو من ضمنها ويصير اتفاق على إخراجه من صراعات المحاور فيرتاح ويريح؟
يرى سفير سابق مثَّل لبنان في دول عدّة وبينها دول تصنع القرارات، أن الفرصة قد تكون سانحة لوضع “إعلان بعبدا” موضع التنفيذ خصوصاً أنه حظي بموافقة الدول الشقيقة والصديقة للبنان وعلى الأخص بموافقة مسؤولين في مجلس الأمن الدولي وفي الأمم المتحدة وصدرت تصريحات تؤكد ذلك، ولم يبقَ سوى العمل على تنفيذ بنود هذا الاعلان بعدما بات واضحاً أن لا خلاص للبنان بتركيبته السياسية والمذهبية الدقيقة، ولا استقرار ثابتاً ودائماً سياسياً وأمنياً واقتصادياً إلا بالحياد، وان هذا الاعلان هو أهم ما أنجزه الرئيس ميشال سليمان في عهده ولا يقلّ أهمية عن إعلان الاستقلال.
ويلفت السفير نفسه الى أن اللقاء السعودي – الايراني المتوقع قد يكون فرصة سانحة لجعل لبنان فعلاً لا قولاً خارج كل ما يجري حوله كي لا يظلّ منقسماً في اتخاذ مواقفه من صراعات المحاور كما هو منقسم حالياً بين المحور الايراني ومن معه، والمحور المناهض له، فيدفع غالياً ثمن هذا الانقسام كما دفع من قبل ثمن تورطه في سياسة المحاور والصراعات الاقليمية والدولية فانعكست سلباً عليه بانفجار أزمات أخلّت بالتوازنات وتعذّر الخروج منها من دون الاستعانة بالخارج.
إن اللبنانيين منقسمون حالياً بين من همّ مع المحور الايراني ومن هم ضده، وصار هذا الانقسام يؤثر على الوحدة الوطنية وعلى العيش المشترك والسلم الأهلي ويثير خلافات حول وضع قانون للانتخابات إذ يحاول كل طرف جعله على قياس مصالحه السياسية والانتخابية ويضمن الفوز بالأكثرية النيابية التي تدين بالولاء لهذا المحور أو ذاك، ويثير خلافات عند تشكيل الحكومات ومن يكون له فيها الأكثرية الوزارية المقرّرة أو المعطّلة وهو ما حصل غير مرّة. وها أن هذه الخلافات تحول دون التوصل إلى اتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية يكون مؤيداً لهذا المحور أو ذاك، حتى أن حلّ مشكلة السلاح خارج الدولة بات مرتبطاً بصراع المحاور الإقليمية، وتنقسم الاحزاب والكتل والتيارات والنواب بين انتخاب رئيس للجمهورية يؤيد هذا المحور أو ذاك ولا أكثرية يملكها أي طرف لحسم هذا الخلاف لتبقى البلاد مهدّدة بالفراغ المخيف.
لذلك، فإن الدول الشقيقة والصديقة للبنان مدعوة للعمل على إبقاء لبنان خارج صراعات المحاور عندما تطرح دول المنطقة على طاولة تقاسم النفوذ بين الدول الكبرى لأن جعل لبنان من حصة هذه الدولة أو تلك واللبنانيون على انقسامهم الحاد السياسي والطائفي، سوف يقيم فيه حكم الغالب والمغلوب، ولبنان أثبت في كل تاريخه أنه لا يحكم إلا بالوفاق والتسويات، ولا شيء يجمع اللبنانيين سوى الاتفاق على تحييده عن كل صراعات المحاور، لأنه يحفظ وحدته الوطنية وعيشه المشترك والسلم الأهلي. وعندما تتفق الدول الكبرى، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، على إخراج لبنان من سلّة توزيع الحصص وتقاسم النفوذ، وجعله دولة محايدة كما سويسرا أو النمسا، عندها يسهل الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية له مواصفات حكم لبنان الحيادي وليس مواصفات الرئيس المنحاز.
ويأمل السفير نفسه في أن يكون اللقاء السعودي – الايراني المتوقّع مقدمة للاتفاق على ابقاء لبنان خارج عملية تقاسم النفوذ في المنطقة، لأن إدخاله فيها سوف يجعل الحكم فيه حكم غالب لمغلوب وهو حكم لا يدوم ويبقى غير مستقر كما كان ولا يزال منذ سنوات طويلة. ولا شك في أن لإيران دوراً مهماً في جعل لبنان على الحياد نظرا الى دقّة تركيبته الداخلية التي لا تحتمل سياسة الانحياز الى هذا المحور أو ذاك إذ غالباً ما يتخذ هذا الانحياز الوجه المذهبي والطائفي الذي لا علاج له ولا شفاء وهو ما يعانيه اللبنانيون اليوم، فلا هم يتفقون على تشكيل حكومة ولا على قانون لانتخابات نيابية ولا على انتخاب رئيس للجمهورية.
فليس سوى حياد لبنان ما يحلّ عقدة الخلاف على إلغاء الطائفية السياسية بحيث تصبح الرئاسات الثلاث مفتوحة أمام من هم الأصلح والأجدر والأكفأ الى أي طائفة انتمى، وتنتفي مع الحياد أسباب حمل السلاح خارج الدولة، لأن سلاح الدولة يصبح وحده قادراً على حماية الجميع ورد كل اعتداء، ويصبح كل لبناني مستعداً لأن يحمل السلاح لا لمواجهة اللبنانيين بعضهم بعضاً إنما لمواجهة كل من يعتدي على لبنان.