كيف يمكن للذئب ان يرتدي ثوب النورس؟
أكثر من ان يكون حقيقياً ما يتردد في الأروقة الديبلوماسية من ان وكالة اميركية متخصصة أجرت استطلاعاً للرأي في احدى الدول العربية المؤثرة، فكانت الأرقام مثيرة للهلع. أكثر من 61 في المئة من سكان هذه الدولة يميلون بقوة الى تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام. وهناك ما بين ستة وعشرة في المئة حائرون.
لا بل ان النتيجة تشير الى ان «داعش» كظاهرة ايديولوجية وسياسية وعسكرية تمكنت من اختراق فئات حساسة داخل الطبقة الحاكمة وصولاً الى رؤوس فاعلة ولا يشق لها غبار، والى حد الكلام عن ان التنظيم دخل في لعبة الصراع حول السلطة، وإن بصورة لا مرئية الآن ريثما تدق الساعة الخامسة والعشرون.
حجة هذه الرؤوس هي أن الولايات المتحدة التي طالما أمنت التغطية الفولاذية للعديد من الأنظمة بدأت الآن في التقهقر، لتعتمد أكثر فأكثر على التصدع الدراماتيكي في البنى السوسيولوجية لمجتمعات المنطقة، في حين يبدو المستقبل وكأنه بيد القوى الأكثر راديكالية. استطراداً فإن البقاء في السلطة، وربما في الحياة، يفترض التعاطي مع «داعش» على انها ابنة المؤسسة السياسية والدينية في الدولة اياها.
ويقال الآن انه في حين كانت «داعش» تجتاح العراق وسوريا عسكرياً كانت تجتاح بلداناً أخرى عاطفياً وسيكولوجياً وحتى عقائدياً، حتى ان هناك مرجعيات دينية في الدولة المؤثرة لم تعد تجد بدا من التفاعل مع الواقع الجديد، دون ان يكون بإستطاعة الأزهر الذي طالما حذر من «فقه البادية» سوى ان يعلن عن الصراع غير المتكافئ بين العمامات البيضاء و«الارواح السوداء».
من يتابع ما يكتب في الغرب يلاحظ ان ثمة من يتحدث، واستناداً الى تقارير استخباراتية موثوقة، عن وجود مرجعية سياسية ومالية للتنظيم الذي يتمتع بقوة تعبوية منقطعة النظير. وراء الضوء مستشارون عسكريون واستخباراتيون من دول عدة، ودون ان يكون بالإمكان اجتثاث التنظيم من الامكنة التي استقر فيها، حتى ليتردد ان ثمة اتصالات تجري مع كبار مساعدي ابي بكر البغدادي من اجل البقاء حيث هو دون التمدد الى بغداد وما بعد ما بعد بغداد، اي الى مدن عربية اخرى يعتبر الخليفة ان بلوغها آت لا محالة.
المشكلة الآن الا خطوط حمر امام الرايات السود، واذا كانت مفاعيل اتفاقية سايكس- بيكو التي شارك فيها آنذاك وزير الخارجية الروسي، قد تحطمت في سوريا والعراق، لا مناص من ان تتحطم في المنطقة بأسرها، ودون ان يكون بإستطاعة العشائر في العراق الا ان تضيع وسط تلك اللعبة المعقدة، فيما كل ما يعني الأكراد هو الحفاظ على حدودهم او التي يعتبرونها حدودهم، ومن القامشلي حتى كركوك.
ولا نعتقد انه بات خفياً على احد ان الاجهزة الاستخباراتية التي تتعاون مع «داعش»، والتي تتصور ان بالإمكان توظيف هذه الظاهرة تكتيكياً (هنا لعبة الذئب والنورس) كانت ولا تزال تعتبر ان الوصول الى الموصل يظل عملية مجتزأة وعقيمة اذا لم يعقب ذلك الدخول الى حمص التي تستخدم، في هذه الحال، للإنقضاض ليس فقط على دمشق وانما على مدينتي طرابلس وبعلبك في لبنان، خصوصاً وان المئات أو الألوف من مقاتلي الجرود، ومن يظاهرهم من اللبنانيين وهم بالآلاف، جاهزون لصناعة تلك اللحظة الكبرى.
وكنا في مقالة سابقة اول من اشار الى مبايعة قيادات في «جبهة النصرة» وفي التنظيمات الأصولية الأخرى التي رحلت عن مدن القلمون وانتشرت في الجرود بمؤازرة عملانية ولوجيستية من خلايا لبنانية لأبي بكر البغدادي بالرغم انها لا تزال تدّعي للتمويه فقط، انها تنتمي الجبهة التي تؤول الى الإضمحلال كما هي حال «الجيش السوري الحر».
ولكن ألا يتم تداول تلك المعلومات التي تقول ان اي محاولة تقوم بها قوى او اجهزة من اجل شق الطريق امام «داعش» وبلوغ حمص قد تفضي الى انفجار حرب اقليمية كبرى. هذه المرة رُفعت الرايات الحمراء ، في وجه حملة القبور ومن يقف وراءهم.
تفاصيل هائلة حول ما يعد لمناطق لبنانية باتت بين ايدي مرجعيات سياسية وروحية على السواء. الطريف ان يقول احد الأساقفة، وفي افطار رمضاني، انه لا يستبعد ابداً ان يصبح «حـزب الله» و«حزب القوات اللبنانبة» وبينهما تيار المستقبل في خندق واحد.
الأسقف ذهب الى ابعد من ذلك حين أضاف «اذا ما بقي التشتت الداخلي على حاله، وبإداراة خارجية ضاغطة، فقد يلجأ نصف اللبنانيين على الأقل الى اسرائيل التي، ودون اي استغراب، تتحدث بعض الدراسات فيها، عن احتمال من هذا القبيل اذا ما استمر التسونامي الداعشي على ما هو عليه، واذا ما بقي منطق اللادولة ومنطق اللامجتمع هو الذي يحكم الدولة والمجتمع في لبنان.
اسرائيل تقول انها ستقفل الابواب في وجهنا كي لا يصيبها على ايدي اللاجئين اللبنانيين ما يمكن ان يصيب لبنان على ايدي اللاجئين من سوريا وفلسطين ولاحقاً من العراق. لا وقت للحقائب.