Site icon IMLebanon

هل ينتظرنا أحد أسود؟!

 

 

في التاريخ العالمي محطات لا تُمحى من ذاكرة الشعوب ولا يمكن تناسيها. هكذا كانت معركة الماراثون (490ق.م.) وسلاميس (480ق.م.) وسقوط بيزنطية (1453م) واكتشاف اميركا وسقوط غرناطة (1492م) وصولاً إلى (12 تموز 1389م) نذير سقوط النظام الملكي القديم… بل وصولاً للحوادث التي هزّت روسيا عام 1917، دعت قوى المعارضة الروسية إلى تظاهرة حاشدة في بتروغراد للمطالبة بالخبز والعمل، إلا ان القيصر نقولا الثاني كان قد اعد العدّة بقوات الشرطة مدعومة بتنظيم فاشي كان يدعى «المئة السود» Les Cent Noirs بمرابط المدفعية والرشاشات الثقيلة حيث اطلقت النار بلا هوادة على المتظاهرين العزّل فسقط المئات بل الألوف بين قتلى وجرحى تكدست جثثهم في الساحة العامة، وما زال حتى اللحظة يدعى ذلك النهار وكان صباح أحد الآحاد «الأحد الدامي».

في الـ25 من أيار 2014، في الوطن الصغير لبنان، سوف تعاد المهزلة المذلة المشينة بالتئام مجلس النواب لانتخاب رئيس جمهورية جديد للبنان، في اليوم الأخير من ولاية الرئيس العماد ميشال سليمان. سوف نقول لكم ما الذي سيحدث بعد ايام: سيقوم «حزب الله» وحليفه الجنرال عون بالانسحاب من الجلسة لتعطيل النصاب (86 نائباً من أصل 128 نائباً) ولن يحضر من قوى 8 آذار سوى نواب كتلة «التنمية والتحرير» احتراماً منهم لموقع الرئيس برّي الداعي دستورياً لانعقاد الجلسة.

إنّه الأحد الأسود، وصمة عار أخرى في تاريخ لبنان الحديث تلطخ سمعتنا وصدقيتنا امام الدنيا كلها. إنها العلامة الفارقة ونذير الشؤوم والدلالة على سقوط لبنان في حال مذلة مخيفة من الفراغ الدستوري أو الشغور الرئاسي كما تجتهد الأقلام الذكية بابتداع تسميات مقبولة لوضع مخيف قد وصلنا إليه.

«مرتا، مرتا عما تبحثين، والمطلوب شيء واحد»، هكذا كان قول السيد المسيح في الانجيل المقدس، وهذا بالضبط الوصف الأكثر دقة وامانة لما نحن بصدده يوم الأحد بعد أيام معدودات.

لقد بذل الرئيس سعد الحريري كل جهد ممكن محاطاً بالرئيس السنيورة والنائب وليد جنبلاط والوزير وائل أبو فاعور والدكتور سمير جعجع مزوداً ببرنامجه الرئاسي لبرنامج قوى 14 آذار منضماً إليهم النائب بطرس حرب، وعلى اتصال مباشر بالقادة الفرنسيين من قصر الاليزيه إلى الكيه دورسيه (أي وزارة الخارجية) وبالعاصمة السعودية الرياض، إذ حضر وزير الخارجية سعود الفيصل إلى باريس لمتابعة الجهود عن كثب وعلى امتداد عدة أيام بلياليها للوصول الى حل هادئ واقعي مقبول لتجنيب لبنان المذاق المر لهذه الكأس المسمومة لكن من دون جدوى.

لا بل أعلن الدكتور جعجع استعداده العلني لسحب ترشيحه لمصلحة البرنامج. فالمشكلة والمعضلة لا تكمن في الأسماء بل جوهر الصراع. والصراع قائم على مسألة واحدة وحيدة ليست بخافية على أبسط اللبنانيين، وكلهم في هاجس عميق يسكن عقولهم وأرواحهم وهي: سلاح «حزب الله». وما عدا ذلك فكله تفاصيل تنبع وترفد وتتفرع من هذه المعضلة الكارثية. فإما دولة وإما دويلات، وإما سلطة واحدة مركزية بيدها قرار الحرب والسلم وإما ترانا مهددين بأن يظل هذا القرار في مكان آخر وبأيدٍ أخرى. فإما جيش وطني واحد، وإما جيوش اخرى وميليشيات وزمر مسلحة. وإما سلاح شرعي وطني بيد القوات المسلحة الشرعية من جيش وقوى أمن داخلي، أو ترسانة حرب السلاح التي يعلم القاصي والداني ان قرارها في طهران، وبالتحديد في قيادة الحرس الثوري الإيراني سواء كان الجنرال سليماني أو الجنرال صفوي أو نظيره الهمداني لا فرق.

أو تنطلي على اللبنانيين والعرب أساليب الخداع والأضاليل التي يحاول السفير الإيراني تمريرها ان التصريحات الفاضحة التي جعلت من الشواطئ اللبنانية وأرضه الجنوبية حدوداً لإيران المندفعة نحو المتوسط لا تعبّر عن الموقف الفعلي للقادة الإيرانيين، بل أسوأ من ذلك عندما ينبري سفيرنا في طهران لتغطية الفضيحة بتبريرات واهية لا تقنع أحداً.

إنهم يظنون انهم بوسعهم الاستمرار إلى ما لا نهاية بخداع اللبنانيين ويهوّلون علينا بأسوأ العواقب والتداعيات. فإما القبول بالجنرال رئيساً وإما الفراغ الرئاسي. بل حتى الجنرال قهوجي لم يرق لهم بعد ان ظنوا خطأ ان الجيش قد استسلم نهائياً لقوى الأمر الواقع، ففاجأهم العماد سليمان بسلسلة مواقف فيها من الوطنية والكرامة والحكمة ما فاق عندهم كل التوقعات.

إنه الأحد الأسود القادم بعد غد لا محالة. وما زلنا في بداية النفق الطويل، ما داموا لأيلول أسود لبناني جديد يعدّون العدّة يوم تعطيل البرلمان.