ان تحديد انتخابات رئاسية في سورية في ٣ حزيران (يونيو) ليعيد بشار الأسد نفسه رئيساً على شعب أهلكته حربه عليه بعد اسقاط ١٥٠ ألف قتيل وملايين اللاجئين هو أمر عادي وطبيعي ومتوقع لمثل هذا النظام القمعي. فبشار الأسد يريد القول للدول الغربية والعربية التي دانت وحشية قمعه وتصفية ابناء بلده ان مسار جنيف انتهى لانه لم يوافق عليه منذ البداية. فترشحه للانتخابات مناقض كلياً لمسار وضع على اساس انشاء حكومة انتقالية من دونه. والاسد حالياً يظن انه انتصر. ولكن اي انتصار هذا وشعبه مشرد ومقتول ومعذب وبلده يحتاج على الاقل الى عشر سنوات لاعادة اعماره. ان زيارته الى معلولا وغيرها من المدن التي استرجعها النظام ربما تظهر تقدماً على الارض بفضل «حزب الله» وايران ولكنها ليست انتصاراً. فهي تدهور وضع بلد لا يمكن ان يعيد بناءه ويقف على اقدامه في العزلة التي وضع نفسه فيها. فالقيادات العربية والغربية كلها نصحته منذ البداية بالاصلاح الحقيقي ولكنهم لم يدركوا ان الاصلاح هو نهاية النظام. لذا هو الان ينظم همروجة انتخابية قد تأتي بنتيجة مضحكة مبكية مع ربما اقل بقليل من ٩٩ في المئة من الاصوات من السوريين الباقين في البلد. ان جيش بشار الاسد الذي احتل لبنان لحوالى ثلاثة عقود هو الآن في موقع المغلوب على امره لانه من دون مقاتلي «حزب الله» وارشادات ايران لما استطاع ان يقاتل شعبه. منذ ثلاث سنوات وهو يستخدم جيشه ودباباته وطائراته الروسية واسلحته الايرانية والروسية والكورية ضد شعبه.
ان هذا الانتخاب الرئاسي الذي يتم في جو الرعب والاجرام وارهاب المدن وإجبار سكانها على رفع صور بشار الاسد فاقد لأي شرعية بكل الاحوال. من يعترف بهذا الانتخاب سوى رئيس روسي تعود على مثل هذه الانتخابات. فتارة يستبدل نفسه برئيس حكومته واحياناً يستعيد الرئاسة. ولكن روسيا ليست سورية، لذلك لم يقل العالم شيئاً عن انتخابات بوتين واعترف بها في النهاية. ولكن الاسد سيجد نفسه معزولاً عربياً وغربياً ولا يمكنه انهاض بلده لا بتأييد ٨٥ في المئة ولا بمئة في المئة. انهك بلده من اجل البقاء على بقعة صغيرة منه وبالتخويف والتهديد. ان مسؤولية الغرب والدول العربية كبرى في ذلك. فلو عزلته وقاومته منذ ان اتهم بارتكاب كل الجرائم في لبنان مع بداية سلسة الجرائم التي شنّها على كل مقاوم لخطته في لبنان من سياسيين الى صحافيين الى نواب ابرياء لمنعهم عن التصويت لكان الامر اختلف. فالقيادة الاميركية تراجعت في اهتمامها في الشرق الاوسط مع قدوم الرئيس اوباما. وقيادات غربية مثل الفرنسي نيكولا ساركوزي وغيره ظنت ان بامكانها ان تفعل افضل من سلفها شيراك. والنتيجة كانت ان بشار الاسد ظن انه استعاد زخمه بعد استعراض القوات الفرنسية في عيد الثورة. اضافة الى المحاولات العربية لاجراء مصالحات غير ممكنة بين من اتهم بأعطاء الامر بقتل رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري وجزء من لبنان الذي يطمح الى السيادة والحرية كلها صبت في جعله يستمر في هذا النهج القمعي القاتل. اما الآن فالكل ينظر الى همروجة انتخابه ولن يعترف بها. ولكن في الوقت نفسه البلد في خراب. فهمروجته الانتخابية لا تعني الانتصار بل تظهر مدى تمسكه بالسلطة التي لا يمكنه الحفاظ عليها من دون ايران و»حزب الله» وروسيا. فاصبح الاسد سجين سياسته لانه بعد ان حكم لبنان اصبح رهينة لشريحة اساسية فيه متمثلة بـ «حزب الله» الذي سيدرك يوماً ما ان عبء الاسد عليه ليس في مصلحته وقد يغير سياسته.
ان اوباما غير معني بما يجري لا في سورية ولا في لبنان. واسرائيل حليفته مرتاحة للفوضى والتفكك والضعف في كل انحاء الوطن العربي. فقد قال احد القادة العسكريين الاسرائيليين لزميل فرنسي امضى اسبوعاً معه على جبهة الجولان ان اسرائيل بألف خير لان الجيش السوري ضعيف وافضل مقاتلي «حزب الله» يسقطون في القتال السوري والجهاديون يتغلغلون في سورية ونحن حذرنا من ذلك. فمسكين الشعب السوري مثل الشعب اللبناني الذي بفضل عائلة الأسد عاش ويعيش المآسي. الى متى؟ لا أحد يعرف ولكن النظام السوري لا يمكن ان يبقى بعد كل ما حدث والانهيار الاقتصادي في البلد سيكون نهايته.