وتتقاطع الأولوية الأميركية هذه مع الأولوية ذاتها لدى دول المنطقة، بحيث أنّه إذا تمكّن «داعش» من إقامة الدولة فعلياً، فسيكون ذلك مصدر خطر حقيقي على الجميع من دون استثناء. وبات الأمر مصدر قلق حقيقي عربي وغربي وفقاً لمصادر ديبلوماسية.
لذلك يأتي الوضع العراقي في مقدّمة البحث الذي جرى بين كيري وبعض الدول في المنطقة، وبالتالي، تبذل واشنطن جهوداً بهدف محاربة هذا التنظيم قبل إقامة دولته، لأنّه بعد إقامة هذه الدولة فهي ستتركز، وترتاح إلى وضعها، ويصعب عندها مكافحتها وإزالتها.
ويتركز وجود هذا التنظيم اليوم في سوريا في الأرياف، أمّا في العراق فيتركز في المدن الكبرى وليس في الأرياف، كما تمكّن من السيطرة على معبرَين للحدود مع كل من الأردن وسوريا.
وإذا ارتاحت دولته لوضعها، بعد أن تتمكن من النشوء، فستكون هناك حاجة إلى جيش كبير لمحاربتها وإسقاطها، والعملية تصبح مكلفة جداً. من هنا يجري التركيز الأميركي على محاربتها قبل نشوئها وتمكنها من بناء دولتها.
والأهم في كل هذه المسألة أنّ الولايات المتحدة لن تعمل بنفسها على إسقاط «داعش»، أي لن ترسل قواتها لمحاربة التنظيم مباشرة، وذلك لسببين؛ الأول يعود إلى أنّ هناك قراراً أميركياً بعدم العودة عسكرياً إلى المنطقة ولن يأتي الأميركيون كجيش كما كان الوضع سابقاً، لأنّهم انسحبوا من العراق وأفغانستان ولن يعودوا ثانية. والثاني يعود إلى أنّ الرأي العام الأميركي لا يريد تدخلاً عسكرياً جديداً في المنطقة، ويرى أنّ المنطقة يجب أن تدير أمورها بنفسها. والإدارة أيضاً لديها فكرة تتمسّك بها، وهي أنّ على المنطقة أن تبلغ سن الرشد، وأن تتوصّل الدول ذاتياً إلى معرفة التعامل مع هذه المشكلة، وليس أن تتّكل على أن يعمل غيرها على حلحلة مشكلاتها.
أي أنّ الولايات المتحدة، بحسب المصادر، تبدي استعدادها للمساعدة عبر استشارات وخبراء ودعم وتعزيز الجهود التي من شأنها محاربة هذا التنظيم. لكنها تعتبر، وهذا ما أبلغته إلى الدول في المنطقة، أنّ محاربة قيام دولة «داعش» هي من مسؤولية هذه الدول بشكل أساسي، والتي عليها «حل هذه المشكلة بيدها وعدم انتظار التحرّك الأساسي في هذا الصدد من واشنطن». الولايات المتحدة تتحرّك في المنطقة للتشجيع على الحوار الداخلي في كل دولة، وأن يجتمع الأفرقاء داخلها على ضرورة محاربته. والأميركيون ليسوا مهيئين لعملية عسكرية في الخارج ولا في المنطقة تحديداً، لقد أرسلوا إلى العراق نحو 300 خبير ومستشار على سبيل الاستطلاع وتقديم المشورة وليس تقديم الدعم العسكري. وهناك في العراق حالياً جنود أميركيون للتدريب وتقديم الخبرات، كما أنّ السفارة الأميركية في العراق تتمتّع بحماية أمنية أميركية. ويصل عدد الخبراء والجنود الأميركيين بهدف التدريب نحو 5 آلاف بموجب الاتفاق الأخير في العام 2011 بين بغداد وواشنطن، بعدما كانت بغداد رفضت القبول بالعرض الأميركي الإبقاء على 50 ألف مدرّب وجندي ومستشار في العراق.
لكن ليس مستبعداً توجيه ضربات جوّية أميركية لـ«داعش»، في كل من سوريا والعراق. وهذا يُبحث داخل الإدارة، إنّما لا يزال غير مؤكد. وبلورة التوجه الحقيقي تحتاج إلى مناقشة ووقت، وإذا ما قرّرت واشنطن توجيه ضربة بالطيران لـ«داعش» في العراق فستضربه أيضاً في سوريا. لكن مواجهته بالطيران لن تكون نافعة، ومدمّرة ولو أنها ستكون مؤذية له، لكن المواجهة الفعلية تحتاج إلى عملية برّية. الجيش العراقي يقوم بدوره في هذا المجال، إنّما الانشقاقات الكبيرة داخل هذا الجيش تلعب دوراً سلبياً في التوصّل إلى هدف القضاء على التنظيم، ما اضطر الدولة العراقية إلى أن تستقدم قوات من بغداد إلى المدن الكبرى لمقاتلته.
لكن هذا الموضوع مختلف في سوريا، إذ إنّ الجيش النظامي لا تزال لديه الهيكلية العسكرية رغم الخسائر الجسيمة على يد الثوار والانشقاقات الكبيرة في صفوف عناصره وضباطه، ولديه، بمعاونة «حزب الله» وإيران وميليشيات أخرى، خبرة قتالية وقدرة مكّنته حتى الآن من السيطرة على بعض مناطق «داعش» سابقاً.
أمّا لبنان فيقف محاولاً إبعاد شبح هذا التنظيم عنه عبر تعزيز قدراته الأمنية وإجراءاته، وعبر إرسال رسائل إيجابية حول أنّ لبنان مطمئن ومستقر للعرب والأجانب تلافياً لتأثير التفجيرات الأخيرة سلباً على الموسم السياسي وعدم خلق جو من الرعب، وسيكون العمل حثيثاً من أجل استمرار مرحلة الاستقرار التي بدأت منذ تشكيل الحكومة.