Site icon IMLebanon

وجه شبه بين «غزوتي عبرا وعرسال»

وجه شبه بين «غزوتي عبرا وعرسال»

الأسير و«داعش» أجندة واحدة

تذهب بعض الاوساط المتابعة لملف المخطوفين العسكريين، الى حد اعتبار ان كل المعطيات التي تًظهَّرت في العملية التفاوضية التي جرت بين الحكومة اللبنانية و«هيئة علماء المسلمين»، بشأن خطف «داعش» و«جبهة النصرة» لاكثر من ثلاثين عسكريا لبنانيا خلال «غزوة عرسال»، وتؤكد ان الجهة الخاطفة للعسكريين من عناصر الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي، على صلة وثيقة مع شبكة من القوى والتيارات والجماعات الداعمة لها او المتعاطفة معها ومع اجندتها، والا ما معنى وجود مثل هذه الجماعات تقدم نفسها وسيطا بين اعلى المرجعيات الحكومية والجهة الخاطفة؟

والمفاجأة التي توقعتها قوى سياسية، واستبعدتها جهات حكومية، تقول الاوساط، ادراج اسم احمد الاسير الفار منذ اندلاع المعركة التي فتحتها مجموعاته ضد مراكز وحواجز الجيش اللبناني في بلدة عبرا في شرق صيدا، وفي مدينة صيدا في حزيران العام الماضي، في قائمة المطالب التي حملتها «داعش» لرئيس الحكومة، عبر الوسيط «هيئة علماء المسلمين»، في دلالة تؤكد على ان اولى الخلايا «الداعشية» قد انطلقت من المربع الامني للاسير الذي اقامه، بعد موجة من «الغزوات» السلمية والمسلحة، الى ان تطورت الى عمليات ارهابية منظمة، بواسطة انتحاريين ظهروا من صفوفه، واستهدفوا السفارة الايرانية في بئر حسن وتجمعات سكانية في الضاحية الجنوبية. وتسأل من اين اتى هذا الحرص عند خاطفي جنود الجيش اللبناني وعناصر قوى الامن الداخلي، ليُدرجوا في قائمة الشروط للافراج عن العسكريين، اسم الاسير وشريكه في الهجوم على الجيش فضل شاكر، الفارين منذ معركة عبرا اواخر حزيران العام الفائت؟ من خلال الطلب لتأمين ممر آمن لهما من مخبئهما.

ولعل اول ما استوقف المصادر المتابعة، ظهور اسم الاسير وشاكر في مفاوضات عرسال، حيث يؤكد هذا الادراج، على الرابط المتين بين الغزوتين العسكريتين اللتين استهدفتا الجيش اللبناني، الاولى في عبرا في حزيران العام الماضي، والثانية في عرسال، فيما وجه الشبه في الغزوتين، كان قويا، لجهة محاولة «هيئة علماء المسلمين» حينها، الدخول في مفاوضات مع الجيش اللبناني لاخراج الاسير ومرافقيه من داخل المعركة التي لم تكن قد انتهت بعد ، والمفارقة ان الشيخ سالم الرافعي هو من قدم نفسه للجيش كوسيط، لكن قيادة الجيش اللبناني رفضت الامر ولم تعط الرافعي فرصة المناورة، كما جرى في ملف عرسال، لان حجم الخسائر التي لحقت بالجيش اللبناني كان اكبر من ان يدخل الجيش في تسويات لم يألفها في تاريخه، وكان لا بد له من ان يمضي في انهاء حالة الاسير العسكرية التي وصلت الى حد تهديد السلم الاهلي في لبنان.

من يعمل على ابعاد اشباح «داعش» عن لبنان؟ تجيب الاوساط، لعل اللبنانيين تلمسوا هشاشة الوضع الذي يعاني منه الداخل اللبناني، وسط ازمة سياسية حادة تتمثل بتعطيل المؤسسات، والصراع الدائر في ملف الاستحقاق الرئاسي، وفي ظل عدم جدية من قبل الحكومة في حسم ملف عرسال وتداعياته، واهمها اختطاف العسكريين اللبنانيين. وتشير الاوساط الى ان القوة العسكرية الوحيدة الجاهزة للتصدي لمحاولات التوغل «الداعشي» الى الداخل اللبناني، يشكلها «حزب الله» المتفرغ لمواجهة المجموعات الاسلامية المتطرفة داخل سوريا، والذي حقق انجازات عسكرية هامة عند تخوم الحدود السورية ـ اللبنانية، وبخاصة في منطقة القلمون السورية المتاخمة لقرى وبلدات بقاعية تشكل ساحة من ساحاته الشيعية.

وتقول الاوساط نفسها، ان حزب الله «عمل اللي عليه». بالدعوة التي اطلقها امينه العام السيد حسن نصرالله الى القوى والاطراف السياسية في لبنان الى الوحدة، بعيدا عن كل الخلافات السياسية القائمة بينها، لمواجهة المخاطر التي تتهدد لبنان بوجوده ومصيره..وقد ارفق نصرالله دعوته، بالتأكيد على ان الحزب سيواجه، ولا يمكن ان يكون متفرجا على خطر مصيري يهدد لبنان واللبنانيين، وهذه الجدية تضيف الاوساط التي يتعاطى بها حزب الله مع الظاهرة الاكثر اجراما، والتي ترتدي جلبابا اسلاميا، تدلّل على ان ما قاله السيد نصرالله، يشكل جرس الانذار الحقيقي من الخطر الذي يهدد الجميع، ولو ان الاطراف المناوئة لحزب الله، قد وصلت الى فهم هذه المخاطر عليها بالدرجة الاولى، لكانت اجرت تعديلات جوهرية على خطابها وسلوكها السياسيَين في الداخل. العلاقة، وبالتحديد العلاقة مع «حزب الله»، تقول، المخاطر على هذه القوى اكثر من غيرها، لان «حزب الله» قادر على ان يحمي ساحته، لكن السيد نصرالله، وحين تحدث عن ضرورة مواجهة الخطر الوجودي والمصيري الذي تمثله «داعش»، كان يقصد الساحة اللبنانية كلها، «وإذا تخلى الجميع، نحن هنا ولدنا وهنا نشأنا وهنا سنقاتل». ان «حزب الله» سيقاتل الخطر ولو كان وحيدا»قالها السيد نصرالله، في ذكرى انتصار المقاومة، فهل من يبادر. للاقلاع عن التعامل مع «داعش» على انها حاجة لقتال«حزب الله» نيابة عنهم.. ربما وضع نصرالله الاسس الاولى لهزيمة «داعش».

ولا تخفي الاوساط مخاوفها من وجود تيار يتناغم مع قوى الرابع عشر من آذار، ويتصارع مع القوى المسيحية المثقلة بالهواجس الامنية من تمدد «داعش»، وهي في وضعية لا تسمح لها بالتعايش مع حالة اسلامية متطرفة كحالة «داعش»التي لا تحمل في اجنداتها سوى استهداف الاقليات في المنطقة، ومنهم المسيحيون والشيعة، وربما يتمثل هذا التيار ببعض الوجوه النيابية التي عرفها اللبنانيون من خلال مواقفها وتحركاتها المعادية للجيش اللبناني والترويج لـ «سطوة» حزب الله على الجيش، وامتهنت خطابا تحريضيا ضدهما، وقد سعى هذا التيار، قبل معركة عرسال، الى الاستفادة من وجود حالة «داعش» عند تخوم الحدود الشمالية مع لبنان، لتحقيق المزيد من الضغوط على «حزب الله»، للانسحاب من الداخل السوري، في مراهنة يائسة على تأثير ذلك على ميزان القوى بين النظام في سوريا والقوى التكفيرية والارهابية التي تقاتله، وهو توازن اختُل بالكامل لمصلحة الحليف السوري لـ «حزب الله»، الذي يمثله نظام الرئيس بشار الاسد، وليس مريحا هنا «المصادفة ـ المفارقة»، في ان هناك طرفين يطالبان بسحب «حزب الله» من سوريا، الاول قوى الرابع عشر من اذار والثاني ما يسمى بـ «دولة داعش».

يبدو ان خارطة التكفير تمتد اكثر .. من الموصل الى الرقة، تقول المصادر ومحاولات للتوغل الى الداخل اللبناني من بوابة ما جرى في عرسال، حتى كادت فلسفة التعايش مع «داعش» والتعامل معها متداولة حتى في الاوساط الحكومية في لبنان، اكان في توفر الظروف الملائمة لخلق بيئة داعمة او متعاطفة معه، او بالتسويق الى الفكر التفاوضي مع مجموعات، تجمع كل القوى والاطراف السياسية، على انها ارهابية وتكفيرية.

يبدو ان لبنان ينتظر، كما العادة، ومع كل ملف امني يتعلق بمخطوفين لبنانيين، «الوساطة» القطرية المعطوفة على «الجهود» التركية في هذا الملف، كما حصل مع مخطوفي اعزاز الذين خرجوا من «مضافة» ابو ابراهيم، وهم يهتفون «تشكُّورات تركيا»او «شكرا قطر».