تَقع مسؤولية ضبط النزوح السوري الى لبنان على أجهزة الدولة كافة، ويشكّل هذا الملفّ همّاً وطنيّاً تسعى كل المؤسسات والوزارات إلى معالجته، وعلى رأسها وزارة الداخلية.
ينتشر النازحون السوريون في 1600 بلدة ونقطة في مختلف أرجاء لبنان بحسب الأرقام الرسمية لوزارة الداخلية، ويتمركز العدد الأكبر منهم في الشمال والبقاع. والمفارقة أنّ 87 في المئة من هؤلاء يسكنون في 225 نقطة تضمّ نحو 67 في المئة من إجمالي فقراء لبنان، ما دفَع المسؤول عن
هذا الملفّ، مستشار وزير الداخلية خليل جبارة الى القول لـ»الجمهورية»، إنّ «السوري واللبناني شريكان في الحرمان».
يُسبّب انتشار النازحين الفقراء في بيئات فقيرة أصلاً مزيداً من الإضطرابات الأمنية، وهذا ما دفَع وزارة الداخلية الى التعاطي مع هذا الملف ومعالجته على مستويات ثلاثة: المستوى الأمني، المستوى الإجتماعي، وتنظيم النزوح وضبطه مع المنظمات الدولية.
من الناحية الأمنية، لا تفصل الأجهزة والوزارة ملف النازحين عن التحدّيات الأمنية الموجودة في لبنان، والتي ارتفعت مع تدفّق هذه الأعداد الهائلة، ما أثّر سلباً في البيئات الحاضنة لهم، علماً أنّ أمن النازحين مرتبط بالخطط الأمنية التي دأبت وزارة الداخلية على تنفيذها منذ استلام الوزير نهاد المشنوق مسؤولياته.
لا تكفي الخطط الأمنية في البقاع والشمال لضبط النزوح. فقد شكّلت وزارة الداخليّة وفَعّلَت وحدات أمنية في كل بلدة، هدفها جمع المعلومات عن تحرّك النازحين، ومراقبة تفاصيل الجرائم وإحصائها، لتُعلم الوزارة بكل الأنشطة من أجل وضع سياسات عامة لحفظ الأمن، وهذه الوحدات هي كناية عن فرق خاصة، مكوّنة من أجهزة رسمية موجودة في مناطق وجود النازحين. وقد ترافق هذا الأمر مع إصدار المشنوق قراراً يمنع بموجبه النشاطات السياسية للسوريين، تفادياً للاحتكاك في ما بينهم، أو مع القرى الحاضنة لهم.
وتشير الأرقام الرسمية الى أنّ نسبة الجرائم ارتفعت 60 في المئة (نشل وسرقة واغتصاب وجرائم فردية) بعد الدخول السوري، فيما يعتبر الوضع الأمني ضاغطاً في عرسال وليس في طرابلس والشمال، لكنّ ملف عرسال لا يحلّ إلّا ضمن الخطة الأمنية.
المستوى الاجتماعي
يشكّل الشق الإجتماعي- التنموي ضغطاً هائلاً على البنى التحتية والخدمات، وأكبر مثال على ذلك ارتفاع إنتاج النفايات الصلبة مع تزايد أعداد النازحين.
قبل بدء النزوح، كان لبنان ينتج يومياً 5,5 أطنان، لكنّ الإنتاج زاد حالياً الى 7 أطنان، اضافة الى استهلاك الكهرباء، ما يرفع خسارة مؤسّسة كهرباء لبنان، لأنه كلّما أنتجت المؤسسة أكثر، كلّما ارتفعت خسارتها، فيما زاد استهلاك المياه وسط أزمة الشحّ التي تضرب لبنان. لذلك، تعمل الداخلية مع المنظمات الدولية والدول المانحة لتعزيز المشاريع الانمائية والبنى التحتية في المناطق المتردّية أصلاً.
وفي هذا السياق يلفت جبارة الى وجود منافسة سورية على فتح المحال والمؤسسات التجارية خصوصاً في البقاع الاوسط، حيث فتح السوريون 850 محلاً، لكن الوزارة أصدرت قراراً بإقفالها، ونفّذت القوى الامنية هذا القرار».
تنظيم النزوح
أمّا الشق الثالث لعمل وزارة الداخلية، فهو من خلال اللجنة الوزارية المكلّفة وضع استراتيجية للتعامل مع النزوح. وقد أعطى المشنوق توجيهاته في 1 حزيران الماضي بنزع صفة النازح عن كلّ مواطن سوري يدخل الأراضي السورية مرات عدّة، لأنّ تنقّله المتكرر يُثبت أن لا خطر على أمنه، وعلى هذا الاساس يُرسل الأمن العام تقريراً شهرياً مفصّلاً الى مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي تملك أسماء النازحين، فتُدقّق في كل اسم اجتاز الحدود وتُحقّق في ظروف دخوله، وتعمد عندها الى شطب كل شخص لا تنطبق عليه هذه الصفة من لوائحها، وهذا الأمر ينطبق على النازحين وليس على الرعايا السوريّين.
وفي هذا الإطار، يؤكد جبارة أنّ «الأمن العام سلّم الى المفوضية في 1 تموز لائحة بأسماء السوريّين الذين دخلوا الى بلادهم وعادوا الى لبنان، والأمم المتحدة تُحقّق وتقارن جدول الأسماء، لدرس كل حالة بهدف أخذ الإجراء المناسب بحق الشخص المعني»، جازماً بأنّ «الوزارة لن تتهاون في هذا الموضوع، وبأنّ «أمن النازحين ما زال مضبوطاً».
ستكون عطلة رمضان مناسبة لغربلة النازحين، حيث سيَرصد الأمن العام عند المعابر الشرعية السوريّين الذين يدخلون بلادهم، ليُرسل أسماءهم الى مفوضية الامم المتحدة، لنزع صفة النزوح عنهم، لأنّ الإجراءات مستمرّة على مدار الساعة، ومَن يدخل سوريا في العيد يستطيع الدخول اليها في أيّ وقت آخر.
يتأمّل اللبنانيون خيراً من التدابير الهادفة إلى الحدّ من النزوح لكي لا يتحوّل هذا الملف عنصر تفجير في الداخل، لكنّ هذا الموضوع يحتاج الى ضغط عملي ومتابعة ومساعدة من الدول، وسط غياب أيّ طرح جدّي لإنشاء المخيمات وحصرها على الحدود.