Site icon IMLebanon

وزير التربية ضد المعلمين: إفادات مدرسية بدل الشهادة الرسمية

فعلها وزير التربية الياس بو صعب مجدداً. انقلب على المعلمين، وجهّز قراراً يُسقط سلاحهم الأخير، يقضي بإعطاء إفادات مؤقتة لطلاب الثانوية العامة تتيح لهم الدخول إلى الجامعات بانتظار صدور نتائج الامتحانات الرسمية المعلّقة. هيئة التنسيق النقابية ترى أن هذه الخطوة موجّهة ضدها وتريح معرقلي إقرار سلسلة الرواتب

فاتن الحاج

وضع وزير التربية الياس بو صعب مشروع قرار يقضي بمنح طلاب الشهادة الثانوية العامة بفروعها الأربعة إفادات مؤقتة تسمح لهم بالالتحاق بالجامعات. هذا الإجراء سيدخل حيز التنفيذ اعتباراً من الاثنين المقبل، وهو يجيز لبو صعب إعطاء إفادات للناجحين في الامتحانات المدرسية، تختمها وزارة التربية وتوقعها، وتجري مراسلة الجامعات والاتفاق معها بهذا الشأن. إلا أنّ هذه الإفادات تعد مؤقتة إلى حين إنجاز تصحيح الامتحانات الرسمية، وإذا تبين أن الناجح في الامتحانات المدرسية قد رسب في الامتحانات الرسمية تسحب منه الإفادة وتعيد الجامعة إليه الأموال التي دفعها.

مشروع القرار الذي استثنى شهادة البريفيه أحدث زوبعة في صفوف التربويين والنقابيين على حد سواء، ومن هؤلاء هيئة المعلمين في التيار الوطني الحر – القطاع الرسمي، التي أبلغت بو صعب أنّها ترفض القرار «الذي ينفس التحرك ويريح معرقلي السلسلة والأولوية بالنسبة إلى معلميها نقابية وليست سياسية».

التربويون رأوا في القرار تخلياً واضحاً عن صلاحيات الوزارة لمصلحة أصحاب المدارس الخاصة. وبدلاً من أن تعطي الوزارة، كما قالوا، شهادات للطلاب، فهي تستقيل من القيام بواجباتها وتتحول إلى حامل أختام عند أصحاب المدارس الخاصة. برأيهم، يحوّل هذا القرار الوزارة إلى شركة خاصة والوزير إلى رئيس مجلس إدارة يعمل عند أصحاب المدارس الخاصة، ويصبّ لمصلحة دعم الجامعات الخاصة على حساب الجامعة اللبنانية في أكثر من مجال، ومنها تأخير بدء العام الدراسي في الجامعة الوطنية، ويخلق إرباكاً على صعيد مباراة الدخول والتسجيل في هذه الجامعة.

لا يستبعد النقابيون أن تكون الغاية من القرار تنفيس تحرك هيئة التنسيق، بما يتضمن من تراجع عن الاتفاقات والتعهدات التي قطعها وزير التربية لهيئة التنسيق النقابية، بحضور النائب علي بزي ومسؤول المكتب التربوي لحركة أمل حسن زين الدين، ليلة تعليق قرار مقاطعة الامتحانات الرسمية. حينها قال بو صعب إنّه لن يضغط لوقف مقاطعة التصحيح، وإنه لن يعطي إفادات، وقد كرر ذلك في أكثر من مناسبة، بل لوّح بعدم بدء العام الدراسي ما لم تقر سلسلة الرواتب.

المشروع يضرب أيضاً، كما قال التربويون، حقوق الطلاب في الحصول على الشهادة الرسمية التي تقع على الدولة مسؤولية تأمينها لهم، فهم مسجلون لديها ومن واجب وزارة التربية تسيير المرفق العام وعدم إضاعة عام دراسي على الطلاب. أمس، أصدرت لجنة طلاب الشهادات الرسمية بياناً جددت فيه تأكيدها «عدم التنازل عن الحق بالحصول على الشهادات الرسمية بأي شكل من الأشكال وتحت أي ظرف من الظروف، رافضة إعطاء الإفادات، لأن هذا الإجراء يهدّد مستقبل عشرات آلاف الطلاب ومستقبل التعليم في لبنان، ويشوّه سمعة لبنان عالمياً، ويساوي بين الراسب والناجح».

ببساطة، إن مشروع القرار عملية تهرّب من تحمّل المسؤولية تحت غطاء تأمين دخول الطلاب للجامعات. وبدلاً من أن يضغط الوزير لإقرار السلسلة، يضغط، بحسب ما قال النقابيون، على أصحاب السلسلة، وكأنه يقدم خدمة لمن يقف ضدها.

مثل هذا المشروع يعفي، بحسب النقابيين، كل النواب الذين يقفون ضد السلسلة من واجب النزول إلى المجلس النيابي لإقرارها. كذلك فهو يسحب ورقة الضغط الوحيدة الباقية بيد هيئة التنسيق النقابية، وهي ورقة مقاطعة التصحيح، و«يحاول حرق هذه الورقة بخطوة غير مسبوقة بإعطاء أصحاب المدارس الخاصة صلاحية إعطاء الإفادات للتسجيل في الجامعات، وهي آلية لم يلجأ إليها أي وزير تربية من قبل».

وفي المحصلة، لا يشكل هذا القرار، كما يقولون، حلاً لمشكلة الطلاب الذين يطالبون بنتائجهم وإعطاء الشهادات الرسمية، بل يولد تداعيات سلبية عليهم، إذ يميز في ما بينهم فيعطي الأولوية لمن لديه منحة على حساب من ليس لديه منحة، ومن يريد السفر إلى الخارج على حساب من لا يريد السفر. وبغض النظر عن هذا التمييز، فمن سافر إلى الخارج بإفادة نجاح مدرسية مؤقتة على أساس علاماته وكانت نتيجته بعد التصحيح راسباً، سيكون مضطراً للعودة الى لبنان، وبالتالي يكون مفعول القرار قد أضر به ولم ينفعه. أما من حرم السفر إلى الخارج بسبب إفادة راسب مدرسية مؤقتة على أساس علاماته وكانت نتيجته ناجحاً، في الامتحانات الرسمية، فلن ينفعه هذا القرار بشيء.

اللافت أنّ هذا القرار يشمل قسماً من الطلاب الذين لديهم علامات مدرسية عن الامتحان النهائي، بينما هناك قسم كبير ليس لديه علامات مدرسية عن الامتحان الأخير، وغالبيتهم من التعليم الثانوي الرسمي، وبالتالي لا يقدم لهم هذا القرار أي مساعدة، بل يظلمهم، خلافاً لطلاب الثانويات الخاصة. ويسأل النقابيون: «من يضمن للطلاب المسجلين في الجامعات الخاصة في لبنان وفق الإفادات المدرسية أن يسترجعوا الأموال التي دفعوها إذا رسبوا في الامتحانات الرسمية؟».

وزير المال: الأجواء لم تكن إيجابية، خلافاً لما ورد في الإعلام

بو صعب كان قد استمهل، أول من أمس، هيئة التنسيق أياماً معدودة للتشاور معها بقرار اتخذه سلفاً، فهل تبدّل الهيئة خطة تحركها وتستبدل بالإضراب في الإدارات العامة والاعتصام المقرر الأربعاء المقبل، القيام بإضراب واعتصام مفتوح تنفذه هذا الاثنين في وزارة التربية؟ لا يبدو أن هناك قراراً نهائياً بهذا الشأن، وخصوصاً أنّ رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي ذكّرت باعتصام الأربعاء، مطالبة وزير التربية بمضاعفة تحركه في ملف السلسلة كما فعل في ملفي الجامعة اللبنانية من أجل تثبيت حقوق الأساتذة والطلاب، بدلاً من التفكير باللجوء إلى إجراءات غير تربوية تصب بالنهاية في عدم إقرار السلسلة كما يحصل الآن.

ورفضت الرابطة النقاش والتسوية بين ممثلي الكتل النيابية حول السلسلة لأنها تنطلق من زيادات استنسابية مختلفة ومخفّضة ومقسّطة وتفرض ضرائب على الفقراء.

هيئة التنسيق النقابية التقت أمس وزير المال علي حسن خليل، وقال رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب بعد اللقاء إن النقاش عاد إلى النقطة الصفر، محذراً من «التلاعب بالشهادة الرسمية وإعطاء الطلاب إفادات مدرسية».

أما خليل، فخرج ليصارح الرأي العام بأنّ التباينات بين الكتل السياسية بشأن السلسلة ليست ضيقة، والنقاش لا يزال مفتوحاً ويحتاج إلى استكمال. القضية لم تعد مسألة أرقام ولا حسابات، ولا تنحصر بإيجاد التوازن المالي بين حجم النفقات التي ترتبها السلسلة وبين الواردات المطلوبة لحفظ الاستقرار المالي العام في البلاد. الأمر، كما يقول، بات متصلاً بالخيارات، أي هل نريد السلسلة أم لا نريد؟ وهل سنبقي المسألة معلقة مع الآثار التي تتركها على كل الوضع العام في البلاد؟

هذه الخيارات يجب أن تحسم، بحسب خليل، وعندها سيكون رئيس مجلس النواب نبيه بري جاهزاً ليدعو إلى جلسة نيابية خلال ساعات، إذ إنّه ملتزم أنّ إقرار السلسلة هو مفتاح التشريع في المجلس النيابي. وهنا طالب خليل الكتل النيابية بالذهاب إلى المجلس النيابي والمناقشة بمسؤولية أمام كل الناس، بعيداً عن المزايدات والتحديات، «من دون أن نشكك هنا على الإطلاق بنيّات وبخلفيات أحد من الكتل». ولفت إلى أنّها ليست المرة الأولى التي نناقش فيها مسألة يوافق عليها البعض ويعارضها البعض الآخر، وهناك دائماً من يتحمل مسؤولياته أمام التاريخ وأمام كل الناس، فالمسألة لم تعد تحتمل أن نبقى في النقاش النظري، وعلينا أن نقر الملف بأسرع وقت ممكن، لكونه مرتبطاً بمعيشة مئات آلاف الناس ومستقبلهم».

خليل أكد أنّها ليست مسألة يحيطها الترف للدخول في نظريات واقتراحات غير عملية، فالسلسلة مشكلة لها علاقة بحقوق موظفين وبمستقبل طلاب ينتظرون شهاداتهم وبانتظام حياة شريحة واسعة من اللبنانين. وقال: إننا «كقوة سياسية معنيون بهذه السلسلة، ولا نستطيع أن نتحمل أمام هيئة التنسيق ولا أمام البلد تبعات تقسيطها أو خفضها أو TVA، وهي ضريبة تطاول الشريحة الأوسع من الناس، فيما السلسلة تستهدف فئة معينة منهم، بل ليس هناك طرف يستطيع أن يتحمل كامل المسؤولية».

وبعد نقاش طويل حصل في المرحلة الماضية وحسم إعطاء 6 درجات للأساتذة والمعلمين، كشف وزير المال أنّ هناك «وجهة نظر لا توافق على تركيبة السلسلة، أما نحن فنقول بجرأة إنّه ليس لدينا مانع من حسم 10% من كلفة السلسلة، وقد أبلغ رئيس مجلس النواب نبيه بري هيئة التنسيق مباشرة بذلك».

رفض خليل القول إنّه يبعث جواً سلبياً، «فالتواصل مستمر، وجلسة أمس (أول من أمس) كانت إيجابية، وإن لم نتفق في خلالها على الأمور، فإننا توافقنا بالتأكيد على استمرار النقاش والبحث عن الصيغ الأمثل للوصول إلى تفاهم بشأن السلسلة».

لكن ماذا عن شيوع معلومات عن أن السلسلة باتت على قاب قوسين أو أدنى من الإقرار؟ أجاب خليل: «ليس هناك اتفاق نهائي، وببساطة لا أريد أن أغش الناس، وأتمنى أن نراعي عند اتخاذ أي موقف حق الموظفين والأساتذة بالسلسلة من جهة وكل المسائل المتصلة بالوضع المالي والاستقرار في البلد والذي يتطلب حكمة وانتباهاً من القوى السياسية والكتل النيابية ومن هيئة التنسيق النقابية على حد سواء.

ويجب أن نعترف أيضاً بأنّ الدولة قصّرت خلال المرحلة الماضية بمقارنتها بشكل صحيح وعلمي لحقوق الناس، إذ تركتها تتراكم كقنبلة موقوتة اجتماعياً واقتصادياً ومالياً».

الوزير خليل زار رئيس تكتل التغيير والإصلاح ميشال عون، موفداً من بري، في حضور وزير التربية، وأطلعه على نتائج المباحثات مع قوى 14 آذار، واصفاً إياها بأنها «لم تكن إيجابية، خلافاً لما ورد في الإعلام».