Site icon IMLebanon

وصاية جديدة تحت «عباءة».. الانتخاب

 

بالأمس أعلنت السفارة السورية في لبنان أن الاجراءات اللازمة ستتخذ من أجل تسهيل مشاركة المواطنين السوريين في «انتخابات الدم» التي ستحصل داخل الأراضي السورية في 3 حزيران، وبذلك أخذ المواطن اللبناني «العلم والخبر» من سفارة نظام الاجرام، كما انها «شرّعت» بنفسها فتح 3 مراكز انتخابية لهذه الغاية، وزادت في تقديم الإغراءات من خلال الإشارة إلى أن الترتيبات اللازمة اتخذت مع السلطات المعنية في الجمهورية اللبنانية لتسهيل مغادرة السوريين الأراضي اللبنانية وعودتهم إليها مع إعفاء من رسم المغادرة.

ما ورد في بيان «سفارة الاجرام»، كان أولاً وأخيراً من أجل استكمال الصورة المقيتة لاستفزاز اللبنانيين التي حصلت خلال مهزلة اليومين الانتخابيين في السفارة السورية في اليرزة، وما حملته من رسائل وخلّفته من غضب اشتعل في نفوس اللبنانيين نتيجة الصدمة التي تلقوها وفوجئوا بها على نحو أعادهم إلى صور زمن الوصاية على لبنان وممارسات الاحتلال السوري.

فـ«حزب الله» وفريق الثامن من آذار حضّرا للبنانيين مفاجأة في إظهار دعم سفاح دمشق بما يتناسب مع سعيه إلى انتخاب رئيس لبناني يعترف ببشار الأسد، وهذا ما يفسر تعطيله للانتخابات الرئاسية اللبنانية. فالحزب قرر أن يستعرض قوته من جديد، ويثبت قدرته على مسك القرار اللبناني، بطرق متعددة، 7 أيار نموذجاً والنموذج الآخر هو ما جرى من عراضات أمام السفارة في اليرزة وعلى الطريق المؤدي إليها، في تحدّ واضح لقرارات الدولة اللبنانية واعتباره شأناً لبنانياً لبنانياً بشعارات ووقود ومآرب سورية إيرانية مشتركة. فما حصل حقيقة رسالة لبنانية من «حزب الله» إلى اللبنانيين قبل أن تكون رسالة من النظام السوري المريض الذي يعيش أيامه الأخيرة، رغم محاولته التنفس الاصطناعي بأوكسجين «إيراني الصنع» اسمه «حزب الله»، قادر على خنقه في اللحظة المناسبة وقادر على أن يرث النظام في سوريا بعد مصادرته حصص اللبنانيين في السلطة وشراء ذمم فرقاء سياسيين بالجملة والمفرق.

ما هو واضح في صورة الانتخابات أمام السفارة أن كل ما جرى متعمد ومقصود، فالرسالة وصلت. والمطلوب الرد عليها ليس فقط في البيانات والتصريحات السياسية وليس في إثارة المشاعر العنصرية ضد النازحين السوريين والتعاطي معهم وكأنهم واحد. إذ يظهر من خلال المنشورات التي وزعت أمس على طريق سعدنايل والتظاهرات التي حصلت في طرابلس وفي عرسال ضد نظام الأسد وانتخابات الدم، أن مواقف النازحين ليست واحدة، وأن مؤيدي نظام التشبيح قلة متفرسة من أجل التجسس على المعارضين ونشاطاتهم لا بل من أجل محاربتهم في الحصول على لقمة عيشهم سواء كانوا يعملون أم يتلقون مساعدات.

لقد كان «حزب الله» في السفارة يدير «الإمارة»، فعناصره كانوا على صناديق الاقتراع غير السرية، والمضحك في الأمر ما أورده التلفزيون السوري عن أن 250 ألف ناخب صوتوا في يوم واحد في لبنان، ما دفع أحد الناشطين إلى اجراء حساب سريع على «الفايسبوك» أفضى الى أنه إذا كان 250 ألف ناخب انتخبوا في 12 ساعة، فهذا يعني أن 21 ألف ناخب تقريباً انتخبوا خلال ساعة واحدة، أي في خلال ستين دقيقة، ويعني أن هناك 350 ناخباً انتخبوا بالدقيقة الواحدة، فهل يعقل أن يحصل هذا الأمر؟ تخيّلوا فقط.

وعلى أي حال، فنحن لا نعرف عدد السوريين الذين انتخبوا، فمن كان يراقب المشهد يعرف أن جحافل «حزب الله» وحركة «أمل» و«القومي» و«البعث» ومخلّفات بقايا النظام الأسدي كانوا هناك أيضاً، كما لا نعرف عدد العمال السوريين من غير النازحين الذين تم الضغط عليهم وصودرت بطاقات هوياتهم قبل الانتخابات ليفرض عليهم الاقتراع للقاتل حتى يستردوها في أكثر من منطقة لبنانية، كما تم تهديد هؤلاء بعدم تجديد إقاماتهم بفضل نفوذ «حزب الله» وهيمنته، الصورة التي نشرت عبر وسائل الإعلام أمام باب السفارة للسوريين راكعين بانتظار دورهم للانتخاب، تذكر بصور سابقة مثل المسيرات التي حصلت وتم إجبار الكثيرين على تقبيل صور بشار الأسد و«الجزمة» العسكرية فوق رؤوسهم، ويجب ألا تفاجئ صورة «الزحف» إلى اليرزة اللبنانيين على الإطلاق، فهو مشهد لظواهر مسبوقة منذ أيام الوصاية، وتظاهرة السواطير التي حصلت في بيروت أيام عهد مخابرات جامع جامع في الـ2004 أفضل مثال.

لا شك أن على اللبنانيين أيضاً أن يميزوا بين طائفة الموالين لبشار من أصحاب المصالح والمال الذين أتوا إلى لبنان من أجل أمانهم وهم يستأنفون حياتهم العادية فاستأجروا الشقق الفخمة ووضعوا أطفالهم في أكثر المدارس والجامعات غلاءً وأقاموا ملاهيهم ومقاهيهم ومطاعمهم ومصالحهم الخاصة، هؤلاء هم مخلصون لبشار، وكانوا هناك أيضاً بالشورت وعلى «الموتوسيكل».

ولا بد من الإشارة إلى أنه مهما بلغ عدد الذين زحفوا إلى السفارة فهم قلة قليلة ونسبة بالكاد ترى من المليون وربع المليون نازح. والأهم أن هذه التظاهرة بأشكال تعبيرها وسلوكياتها واستعراضاتها هي نسخة طبق الأصل عن المسيرات الإجبارية التي ينظمها الشبيحة في قلب سوريا. ويعرف السوريون واللبنانيون جيداً كيف تحضر وتنظم وتنفذ، كما كل أفلام بشار المركّبة.

لكن أسوأ ما في صورة السفارة في اليرزة أن «حزب الله» هو البارز فيها إلى جانب عسس المخابرات السورية. والرسالة واضحة للبنانيين في ذلك المشهد المفتعل، الرسالة مفادها أن جمهورية الخوف في سوريا ستعود جمهورية وصاية في لبنان، أي أنه مقابل تكريس ديكتاتور القتل يريدون تكريس الفراغ في الجمهورية اللبنانية.

ماذا عن المعارضة السورية؟ الواضح أن المعارضة لا شأن لها بالانتخابات التي تجري وهي بالطبع لا تعترف بنتائجها مهما كانت، فالمعارضة التي برهنت عن احترامها للقوانين اللبنانية قدر المستطاع وبرهنت عن احترامها للسيادة اللبنانية حتى الآن في كل ما قامت به في تحركاتها المدنية القليلة والسلمية الطابع وفي رسائلها السياسية الواضحة، لم تكن بوارد افتعال أي حراك يسبب صدامات أو مخاوف أو إزعاج للبنانيين، ثم إن الناشطين المعارضين في لبنان بعضهم ملاحَق ولا سيما من أجهزة أمن «حزب الله» ومراقَب من جواسيس فريق 8 آذار وبالتالي يعيش هؤلاء النازحون تحديداً التهديد والوعيد والترهيب في ميدان لا حضور فيه لمن يعلن مساندتهم من دون أن يكون قادراً على التأثير فيه.

لقد تعمد «حزب الله» إبراز الشكل البشع لمسيرات الانتخاب أمام السفارة لنبش ذاكرة اللبنانيين التي تحتفظ بأبشع الصور عن السوريين والمترسبة منذ زمن بعيد نتيجة ممارسات مخابرات حكم البعث في لبنان. وهذا ما أيقظ الغرائز وردود الفعل العنصرية لدى البعض حتى من مؤيدي الثورة السورية أمام «الفيلم المدبّر»، إلا أن ما جرى بالأمس من تظاهرات ضد «انتخابات الدم» هو رسالة أخرى تؤكد ما ورد في إحدى اللافتات التي رفعت خلال هذه التظاهرة «انتخبك مئة ألف من ضاحية الذل والإجرام وهناك مليون سوري في لبنان ينتظرون إعدامك».