IMLebanon

آب اللهّاب والحلول في أيلول…

لم يكن مُفاجئاً الهجوم الذي شنَّته المجموعات المتطرّفة على مواقع الجيش اللبناني في عرسال.

عدا عن المعلومات الكثيرة التي تحدّثت عن تجمّعات للمسلّحين في هذه المنطقة المتداخلة مع الاراضي السورية والتي شكّلت ولا تزال «ممرّاً آمناً» لهم ما بين الداخل اللبناني ومناطق المعارضة السورية، فإنّ التقديرات السياسية كانت تتوقّع ألّا تتأخر الساحة اللبنانية في الانضمام الى جبهات المنطقة المشتعلة بضراوة على أساس ثلاثة محاور: إيران وحلفاؤها، تركيا وقطر ومَن معهما والسعودية وحلفاؤها.

حرب بالوساطة بين هذه المحاور حيث الخطوط متداخلة في بعض الاحيان، والمواجهات بلا أفق زمنياً في ظلّ استنكاف اميركي عن التدخل في انتظار أن يَتعب الجميع وفق لغة مَن يصرخ أوّلاً في لعبة عضّ الاصابع.

ففي غزة تقترب الحكومة الاسرائيلية من مرحلة التعب وهي التي تُدرك جيداً أنّ جيشها لا يمتهِن سوى الحروب السريعة، وأنَّ مجتمعها لا يتحمّل العيش في نزف مدةً طويلة على عكس الشعب الفلسطيني.

الوضع في العراق مختلف والجبهات السورية لا تزال قادرة على التأقلم مع حرب طويلة. لكنّ الجديد ما طرأ من تطورات سياسية. ففي إيران حيث النزاع السياسي محتدم بين وجهة نظر الاصلاحيين بزعامة الرئيس حسن روحاني الداعية إلى اقتناص الفرصة وإنجاز التفاهم مع الاميركيين وفتح أبواب الحوار مع السعوديين، ووجهة نظر المحافظين بزعامة مرشد الثورة علي خامنئي القائلة إنّ أوراق القوة في يد طهران لا تزال كثيرة ما يسمح لها بإنجاز التفاهم مع الاميركيين وفق توقيتها ونظرتها إضافة إلى إنجاز تفاهمات واسعة مع تركيا على حساب الانفتاح على السعودية.

وبدا أنّ وجهة النظر الثانية هي التي تمثل القرار الايراني في المرحلة الراهنة. لذلك تَجد طهران أنّ مجالات التفاهم كثيرة وكبيرة مع تركيا الساعية لأن تكون القطب الاقليمي الثاني مقابل إيران.

ففي غزة كان التقاطع الايراني – التركي واضحاً وعملياً ومفيداً للطرفين على حساب النفوذ السعودي الذي يرمز إليه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس متّكئاً على الدور المصري. لذلك سقطت المبادرة المصرية ويُحاصر «أبو مازن».

وفي العراق بدت مجالات التفاهم الايراني – التركي واسعة، بدءاً من الرفض المشترك لتنامي عوامل القوة لدى الاكراد وطموحهم بإنشاء دولة مستقلة مروراً بطرد النفوذ السعودي، وصولاً الى إعادة التحكم بمفاصل اللعبة وفق ضوابط واضحة.

لكنّ مجالات العمل المشترك لا تنفي وجود نقاط خلافية اساسية. صحيح أنّ التفاهم الايراني مع تركيا قادر على اعادة تصحيح الحضور «الداعشي» طالما أنّ هذا التنظيم المتشدّد يتنفّس من الدعم التركي «المستور» له، إلّا أنّ أنقرة لا تبدو مستعجلة لوقف كلّ اشكال دعمها لـ«داعش» وبالتالي إعادة ربط الهلال الشيعي ببعضه انطلاقاً من الساحة العراقية.

قد يكون لتركيا مصلحة في تنظيم النفوذ الايراني والتركي في العراق ولكن لن يكون لها مصلحة في إعادة إطلاق المارد الايراني في المنطقة، ولو أنّ التعاون ضرورة في المرحلة الحالية لتصفية الحضور السعودي في المنطقة الشمالية للعراق.

اما في لبنان فيعتقد المراقبون أنّ الضغط عبر ساحة البقاع الشمالي هدفه تهديد المعاقل الشيعية في هذه المنطقة كرسالة ميدانية مضادة لغزة والعراق.

ويتوقع المراقبون حماوةً أكبر على الساحة اللبنانية خلال الاسابيع المقبلة، بحيث تُفتح جبهات اخرى بهدف زيادة الضغط الداخلي.

وإذا كانت طرابلس شكلت نموذجاً صغيراً عن المخاطر الأمنية المنتظرة، فإنّ بعض الجهات يتحدث عن عكار وحتى عن مناطق جديدة في البقاع الاوسط قبل مجدل عنجر، على أن تشارك في القتال مجموعاتٌ سورية تنطلق من مخميات النازحين.

الواضح أنّ الصورة الداخلية لن تكون مشرقة في الأمد المنظور على أن تبلغ درجات السخونة ذروتها منتصف أيلول المقبل، حيث لا تستبعد الاوساط المطلعة أن تترافق مع عمليات تفجير إرهابية قد تصل الى حدود اغتيال بعض الشخصيات، الى جانب اشتداد الازمة السياسية الناتجة عن الاستحقاق الرئاسي ودفع موعد التمديد لمجلس النواب، على أن يدفع الوضع المشتعل إلى إيجاد تفاهم اقليمي جانبي حول الساحة اللبنانية ينقذ الدولة من الانهيار من خلال إنجاز الانتخابات الرئاسية والتمديد لمجلس النواب في جلسة واحدة نهاية أيلول المقبل. لكن حتى ذلك الوقت لا بدّ من انتظار أيام صعبة، هذا ما لم تحصل مستجداتٌ كبرى غير محسوبة.