IMLebanon

آخر أيام القصر…

 

يُكزدر الوزير السابق خليل الهراوي ذهابا وإيابا في أروقة القصر الجمهوري «عاصِرا» ظهوره الأخير في بعبدا حتى آخر نقطة. هو مثله مثل بقية مستشاري ميشال سليمان يستعدّ ليوم الرحيل بعد أربعة ايام. الغصّة على الوجوه، لكن الرئيس وحده يستطيع أن يقنع مجالسيه بأنه يتأهّب للخروج من القصر كأنه يدخله لتوّه.

على جدول نشاطات «فخامته» قبل يوم السبت الكبير أكثر من محطة وداعية. إنها احتفاليات اللزوم قبل دخول نادي الرؤساء السابقين. عشاء تكريمي ليل أمس لضباط وعناصر لواء الحرس الجمهوري، إضافة الى رؤساء الأجهزة الامنية. يوم الجمعة جلسة حكومية وداعية، يليها حفل عشاء يقيمه الرئيس وزوجته على شرف الوزراء وزوجاتهم، وقبل ذلك لقاء مع موظفي القصر الجمهوري والمستشارين.

أما يوم السبت فسيحضر ظهرا أكثر من 450 مدعوا الى القصر للاستماع الى خطاب الرئيس، فحفل كوكتيل. نواب ووزراء «حزب الله» سيغيبون حتما. بعدها مراسم وداع رسمية من لواء الحرس الجمهوري واستعراض لحرس الشرف، ثم يخطو ميشال سليمان على السجاد الأحمر نحو مشروعه السياسي «الآخر». يوم الأحد عمشيت تنتظره. سيُفتح المنزل لاستقبالات شعبية تحتضن رئيسا لم يرد التمديد لنفسه.

لن ينتظر سليمان منتصف ليل السبت الأحد، حتى الثواني الاخيرة، كما فعل سلفه إميل لحود. رئيس الجمهورية السابق الممدّد له اشتغل على رمزية المشهد مستفزّا خصومه عن سابق تصوّر وتصميم. لم «يفلّ» إلا في توقيته. ميشال سليمان سيغادر بهدوء، وبمشيئة الدستور، وقراره.. وقرار المنطقة.

منذ نحو أسبوع تركت العائلة القصر نهائيا. الرئيس يداوم في بعبدا بانتظام. لا يهمل رياضته الصباحية، يواكب أدقّ التفاصيل، ويعطي وقتا، وإن في أيام الحشر، للقاءات سياسية مؤجّلة أو عاجلة.

سيرة ذاتية غير ناشفة، وفيها الكثير من انطباعات المرحلة القادمة على أفول، ستجد مكانها قريبا على الموقع الالكتروني للرئاسة الاولى. المشرفون عليها لا يريدونها مجرد محطات وتواريخ من دون إضافات نوعية من وحي التجربة.

أشرف سليمان شخصيا على تفاصيل ترتيب أرشيفه الخاص من صور وأخبار ولقاءات، وعلى الجردات في موجودات القصر، بما فيها «جردة المنزل» في بعبدا وبيت الدين. هنا حيث أضاف الكثير من شخصيته وذوقه في الديكور. مقرّا إقامة الرئيس، جاهزان، بكل متمّماتهما، لاستضافة ساكن القصر الجديد. باقي المقتنيات الشخصية تنتقل مع الرئيس المغادر. في الاسابيع الماضية وضع لمساته على الجزء الثاني من كتاب إنجازات ومسيرة العهد.

من المواكب الديبلوماسية التي شقّت طريقها في اسبوع الرئاسة الأخير، موكب السفير الاميركي ديفيد هيل. سيعطى لهذا النوع من الاجتماعات في هذا التوقيت أبعاد أكثر مما تحتمل. على الأرجح، سليمان لا يدرك حتى الآن من سيكون سيّد القصر الجديد.

لكن الرئيس الذي يستقبل آخر دفعات من زواره السياسيين والديبلوماسيين، يتصرّف بذهنية الانتقال الشكلي من القصر الى «المقرّ العام» في عمشيت واليرزة. في المضمون ثمّة قرار بعدم الخروج من المعادلة والاكتفاء بإصدار بيانات تعقّب أو تعلّق أو تنتقد أو تثني. يخفي ورقة في جيبه، ولا يتحدث عنها إلا لأقرب المقرّبين. راصدوه يراهنون على أنه قد يفشل على الأرجح في ربح «معركة مختار» في عمشيت!

في بعبدا أكثر من خلية نحل. سباق مع الوقت. طلبات سليمان لا تتوقف، والكل منهمك بإتمام المطلوب. في الباحة الخارجية هدوء بحيرة نائمة، لا يخرقه سوى سيارات الزائرين والمستطلعين.

في إحدى غرف الانتظار في القصر خارج مكتب مدير عام القصر الجمهوري، شاشة ثبّتت على الحائط منذ عام. عليها يمرّ شريط لقاءات ميشال سليمان مع ملوك ورؤساء وأمراء العالم، ومصافحات لا تنتهي مع كبار المسوؤلين الدوليين. هو الرئيس الذي اتهم بتضخّم جدول سفراته الى الخارج، شاطحا عن الياس الهراوي واميل لحود، و«من أجل ماذا؟»، سأل خصومه دوما.

المهم أن على الشاشة نفسها تظهر خارطة الهيكلية الجديدة للمديرية العامة للقصر الجمهوري. «هي واحدة من إنجازات العهد» يقول المدير العام أنطوان شقير، إضافة الى «لوغو» الرئاسة الاولى.

بأوامر مباشرة من الرئيس سليمان التزم فريق عمل بتطوير واستكمال مأسسة المديرية، التي شهدت تعديلين أيام الرئيس الياس سركيس وعام 1998. من خلالها تمّ استحداث العديد من الأقسام، منها قسم الشؤون الخارجية والمغتربين، وقسم الشؤون الدستورية، وقسم رؤساء الجمهورية السابقين.

حفل تدشين هذا القسم تمّ بعد وفاة شقيق الرئيس إميل لحود، حيث تولّى فرع المراسم في القصر الجمهوري تقديم المساعدة للمعنيين بتحضيرات الدفن لناحية التدابير البروتوكولية. حتى هذا الاختراق البسيط في العلاقة الثنائية بين قائديّ الجيش السابقين لم يغيّر فاصلة في المكتوب. خلاف سليمان ـ لحود يبدو أزليا.

إذا، صار لأمين الجميل، أميل لحود، وبعد أيام لميشال سليمان سند في القصر الجمهوري. سيكون «القسم» حاضرا لتأمين متطلّباتهم في السرّاء والضرّاء.