ثمة ما يتجاوز المهازل الساخرة في المصير الذي آلت اليه الطبقة السياسية اللبنانية بعد طول ترهل فجاء زمن الفراغ الرئاسي ليمعن في تظهير الفصل الأشد فداحة.
في ازمة الفراغ الرئاسي يملي الحد الادنى من الأصول والأعراف ولا نقول القيم، التصرف بوحي من مسؤولية جماعية عن مرحلة انتقالية بكل المعايير التي تقول ان البلاد تمر بظرف استثنائي شاذ بما يعني خصوصا تجنب الترف المفرط في الإنفاق العام. لن نضيف على هذا العامل ان لبنان يرزح تحت عنوان منسي هو انه يحتل المرتبة المتقدمة جداً في لائحة البلدان الأكثر مديونية في العالم ولا ايضا العنوان الآخر الماثل في الأزمات الاجتماعية والاقتصادية المتفاقمة في كل الاتجاهات.
تبعا لذلك ترانا نحار فعلا ونحن امام وقائع التهافت والتنافس على نهش بقايا عافية في دولة لم يعد فيها الا الرمق الاخير من قدرة على صمود عبر ما عنونته “النهار” أمس عن هجمة التوظيف والتثبيت والتطويع والمحاصصات في قطاعات عدة. كأنه الظرف التي أتاح للقوى السياسية ان تنقض على البقرة الحلوب وقد جف ضرعها، فاقتنصت فرصة الفراغ الرئاسي لتمعن في الفساد فسادا. رب قائل ان ملء الشواغر لا يحتمل انتظارا لازمة قد تطول لامد غير منظور وان الامور تجري على قاعدة الضرورات الملحة وبفعل مسلكيات مقوننة. ولكن من قال ان كل مقونن هو شرعي ومشروع؟ حتى طغاة العالم الذي كان يسمى عربيا قبل الزمن الداعشي قوننوا التمديد لأنظمتهم وآخرها وأحدثها النظام السوري وشقيقه المالكي. هل تراها الطبقة السياسية اللبنانية تستلهم الجانب الأسوأ من فساد هذه الأنظمة الهالكة في الإمعان بافقار البلاد واقتناص الفرصة المفتوحة عبر حكومة شراكة سياسية للذهاب ابعد في سياسات خرقاء متسرعة تطيح ما تبقى من توازنات مالية؟
حتما سيجد الافرقاء السياسيون تبعا لموقع كل منهم ما يبرر له الانخراط في المحاصصات لئلا تأتي على حسابه ما دامت نيران “الفرن” اشعلت واجتذبت بروائحها الشهية الشهيات المفتوحة. وقد لا يقوى احد على فرملة الاندفاعات الى زج جيوش جديدة من المياومين والمثبتين والمتطوعين بصرف النظر عن المزج العشوائي بين اصحاب الحقوق وأصحاب النفعيات. لكن ما يثير الدهشة بل الذهول هو ذلك السلوك السياسي الذي يصعب العثور على وصف “جراحي” له في الاستهانة القاتلة بمالية الدولة فلا يوقف عمليات النهب العام ولا يتوقف عن تسخير القطاعات العامة والخاصة في المحاصصات الفاضحة.
اترانا نخاف على رئاسة او دولة بعد هذا ام على “التحميل” الجاري لآخر تقليعات الوسط السياسي والحزبي في الإطاحة النهائية بكل عافية مع طبقة لا مكان في أدبياتها لكلمة حياء او خجل؟