IMLebanon

آخر حوارات العهد

لئن كانت جلسة هيئة الحوار الوطني التي انعقدت في بعبدا هي الأخيرة في عهد الرئيس ميشال سليمان الذي سيغادر القصر الجمهوري بعد أقل من عشرين يوماً، فإن هذه الجلسة أنصفت الرئيس سليمان بنجاحه في قيادة الدولة في أصعب الظروف وأدقها في الداخل بسبب الانقسام العمودي الحاد الذي أصاب البلاد بالشلل التام والتراجع على كل المستويات الاقتصادية والانمائية والاجتماعية، والإدارية، وفي أسوأ الظروف الإقليمية حيث شهد العالم العربي ثورات واضطرابات، ونزاعات تحت عنوان كبير هو الربيع العربي، وما زال يعيش مرحلة الفوضى وانعدام المسؤوليات وقد تمتد هذه الحالة عدة سنوات وربما عشرات السنين الى الأمام، وأيضاً في ظل اضطرابات إجتماعية واقتصادية على مستوى العالم الغربي بدءاً من الدول الأوروبية وصولاً الى الولايات المتحدة الأميركية التي شهدت انكماشاً اقتصادياً فرضت على رئيسها أوباما التخلي عن مسؤوليات ودور الولايات المتحدة في العالم والانصراف الى معالجة الأوضاع الداخلية.
وحسناً فعل رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط باستغلاله مناسبة إنعقاد الجلسة الأخيرة لهيئة الحوار الوطني للإشادة بقيادة الرئيس سليمان للبلاد طوال ست سنوات، وفي أصعب الظروف، وبالإنجازات التي تحققت في عهده، من إعادة لبنان المغيّب بسبب الحروب والاضطرابات الداخلية من جهة، وقبضة الوصاية السورية عليه من جهة أخرى الى قلب الخريطة الدولية فضلاً عن نجاحاته الأخرى الكثيرة في إدارة دفّة الحكم، وفي تحقيق نسبة عالية من الاستقرار الأمني، وفي إعلان بعبدا الذي ينص على تحييد لبنان عن الصراعات العربية، وإن كان هذا الهدف لم يتحقق بعد، كما أراده الرئيس وغالبية اللبنانيين الساحقة وفي غيرها من المجالات لا سيما في الحفاظ على الحوار بين المكونات اللبنانية كافة والتي منعت الاقتتال الداخلي ووفّرت الحد الأدنى من استقرار الدولة وفي تكريس مفهوم الدولة الديمقراطية بمفهومها العام، وفي التصدي بشجاعة كبيرة لكل المحاولات من هنا ومن هناك والتي استهدفت النيل من هيبة الدولة أو تجاوزها بناء على حسابات ومصالح دول إقليمية وغير إقليمية.
وإذا كان النائب جنبلاط الذي كان حاضراً بقوة في عهد الرئيس سليمان حرص أيضاً على وصف إعلان بعبدا بالنقطة البيضاء في تاريخ هذا العهد، فلأنه يدرك مدى معاناة الرئيس سليمان مع الفرقاء الداخليين لتثبيت هذا الإعلان على الأرض وفي النفس لأنه يشكّل المنفذ الوحيد لحماية هذا البلد من النار الذي تلتهم معظم الدول العربية القريبة والمحيطة بلبنان ويدرك بالتالي أن البعض لم ينصف هذا الرجل وتعامل معه في معظم الأحيان بالفوقية مرة وبالكيدية مرات، مما فوّت على هذا البلد الكثير من الفرص التي بذل الرئيس سليمان جهوداً خارقة ومضنية لاستغلالها والاستفادة من حسناتها ومحاسنها، فإنه أي جنبلاط كان واثقاً من أن التاريخ وحده سينصف هذا الرجل.
ولعل المفارقة الثانية التي تجلّت في هيئة الحوار تبني الذين شاركوا في هذه الجلسة المواقف الوطنية العالية التي أطلقها الرئيس سليمان في مناسبة افتتاح قرية ميشال سليمان الرياضية والتي وردت بكل تجلياتها في مداخلة رئيس تكتل تيار المستقبل النيابي الرئيس فؤاد السنيورة ولا سيما في ما يتعلق بمسألة الشغور في سدة الرئاسة ومسؤولية الذين يعطّلون جلسات مجلس النواب عن هذا الشغور.