مرت حكومة الرئيس تمام سلام باختبار جدي بعد تفجير ضهر البيدر، وبات السؤال ملحّاً عن إمكان إعادة تنشيطها بعد «التباين« الحاصل داخلها حول آلية عملها، خصوصاً في ظل الجمود المتسلل الى مجلس النواب بسبب الشغور الرئاسي والاهتزاز الأمني الذي تعرضت له البلاد. لكن سرعان ما ظهرت إشارات أخرى عن «تقليعة» بانتظار الحكومة ظهرت بوادرها الداخلية، من خلال كلام الرئيس سلام عن «حلحلة» تنتظر مجلس الوزراء يوم الخميس بعد وضع الأسس الأولية التي ستُعتمد لتسيير عمله، في الوقت الذي شكلت تصريحات الديبلوماسيين حاضنة دولية لهذه التقليعة، وكان أبرزها كلام السفير الأميركي ديفيد هيل من السرايا أمس، بأنه «حان الوقت للعمل على إغلاق الثغرات لكي يفسح المجال لتعزيز أمن لبنان واستقراره».
كل ما سبق يدفع الى الاستنتاج بأن الجميع يُقر بالرابط، بين انعكاس استعادة النشاط الحكومي على الوضع الأمني في البلاد، وهذا ما يوافق عليه وزير العدل أشرف ريفي، لكنه لا يجزم بما إذا كانت جلسة الخميس «ستشكل نهاية التباين حول آلية العمل الحكومي«. ويقول لـ»المستقبل»: «أريد أن أكون واضحاً، لطالما كانت الأجواء إيجابية داخل مجلس الوزراء لكن في الكلام فقط، وبالتالي لا بد من ترجمة هذه الإيجابية الى فعل، ولذلك علينا الانتظار الى يوم الخميس وما ستسفر عنه جلسة مجلس الوزراء، وقد اقترحت في إحدى الجلسات أن يُحال تفسير مهام مجلس الوزراء في ظل الشغور، الى هيئة التشريع والاستشارات لكي تعطي تفسيراً للمنحى القانوني لهذه المهام، لكن هناك من يريد أن يفسر هذه المهام من باب المنحى السياسي، لذلك علينا أن ننتظر ونرى، لكن على الجميع اتخاذ المواقف الوطنية الجامعة وترك الحسابات الفئوية، لأن هذا البلد هو بلد التوازن وعلينا احترام هذا التوازن والمواقع وعدم التذاكي على بعضنا البعض».
عدم الحسم الذي ينبّه إليه ريفي تقابله وجهات نظر مختلفة من زملائه في مجلس الوزراء، إذ يلفت وزير الصناعة حسين الحاج حسن لـ«المستقبل» الى أن «كل الأجواء توحي بالإيجابية في الجلسة المقبلة ونحن نأمل ذلك، لأن أي تحسن في الأجواء السياسية سيؤدي الى دور أفضل للحكومة وللأجهزة الامنية». ويؤيده وزير الأشغال غازي زعيتر بالقول: «الأجواء جيدة وواجباتنا أن نعمل على تنشيط العمل الحكومي في ظل الظروف الراهنة، ويضيف لـ»المستقبل» أن «من المفروض أن يواكب مجلس الوزراء كل الأوضاع الملحة في البلد، سواء أكانت أمنية أو اقتصادية وكل ما يتعلق بمصالح الناس، وبالتالي في ظل الأجواء غير العادية يجب أن تكون وتيرة العمل أسرع في مجلس النواب ومجلس الوزراء، سواء بسبب الوضع الأمني أو متابعة البحث في ملف السلسلة، فالمؤسسات الدستورية يجب أن تعمل لتأمين المخارج اللازمة».
أما وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس فيربط عدم انعقاد مجلس الوزراء في الفترة السابقة، بارتباط سفر الرئيس تمام سلام وليس لأسباب قسرية، ويؤكد لـ»المستقبل» أن «مجلس الوزراء ليس بحاجة الى آلية لتسيير العمل الحكومي بل الى تطبيق الدستور، الذي ينص على أن رئيس الحكومة يضع جدول الأعمال قبل 48 ساعة من انعقاد الجلسة، واليوم في حالة الشغور الرئاسي بات الجدول يوضع قبل 72 ساعة، لكي يتسنى للوزراء إعطاء ملاحظاتهم وإبداء الرأي لأنهم يمارسون دور رئيس الجمهورية وكالة، أما الإشكالية الواقعة حول كيفية اتخاذ القرارات فلا مبرر لها، لأن هذه الحكومة لم تأخذ قراراتها إلا بالتوافق وستظل كذلك في المرحلة المقبلة في ظل الأوضاع الحساسة التي تمر بها البلاد».
ويوافق الجميع على أن الخضة الأمنية التي حصلت تستوجب استعادة العمل الحكومي سريعاً، كي يظلل تحرك المؤسسات الأمنية ويمنع امتداد هذه الخضة وتفشيها في أنحاء البلاد، وإذ يلفت وزير الدولة محمد فنيش لـ«المستقبل» «إلى أنه «على المستوى العام في البلد أي مؤسسة تعطل سواء أكانت مجلس الوزراء أو النواب أو رئاسة الجمهورية، سيكون لذلك تأثيره على عمل المؤسسات المختصة، إذ لا يمكن أن يكون العمل طبيعياً في أي مؤسسة في البلد من دون وجود سلطة تنفيذية، تراقب وتتابع سواء كسلطة تمتلك القرار أم كوزراء مختصين، وحين يحصل نقص في هذا الدور سينعكس على أداء المؤسسة«.
يضيف فنيش: «لا شك في أن انتظام العمل في مجلس النواب مؤثر على أداء الوزراء، من خلال مواكبة تطبيق القوانين والتشريعات وكذلك رئاسة الجمهورية معنية بمتابعة أداء السلطات، وما نقوله هو أن علينا ألا نجعل الشغور الرئاسي ينعكس سلباً أكثر على عمل المؤسسات، ولا شك أن الشغور له تأثيره السلبي لكن علينا أن نحد قدر الإمكان من هذا التأثير، وأن لا يمتد إلى باقي المؤسسات سواء في مجلس النواب أو الوزراء خصوصاً في هذا الوقت الذي تقوم به الأجهزة الأمنية، بجهود كبيرة في هذه المرحلة التي يتم فيها استهداف لبنان من قبل شبكات إرهابية تحاول أن تمد نشاطها الى الساحة اللبنانية، وهي اليوم تلقى صدى من القوى الأمنية خصوصاً أن الظروف في لبنان مختلفة عن باقي الدول المحيطة»، مشدداً على أن «القوى الأمنية بحاجة الى مواكبة عملها الميداني ورفدها بالدعم السياسي وتلبية احتياجاتها الميدانية وتأمين التواصل بين القرار السياسي والإجراءات التنفيذية، وبالتالي فالسلطات المعنية، ومنها مجلس الوزراء، لا يمكنها الغياب عن هذا الدور، ولذلك أعتقد أن اجتماع مجلس الوزراء سيؤدي الى خلق مناخ أكثر إيجاباً لدى كل المؤسسات الأمنية في البلد«.
ويوافق ريفي على أن «الإيجابية التي تحيط بمجلس الوزراء تمتد الى باقي المؤسسات في البلد«، ويقول: «لا شك في أن أي مؤسسة تعمل بشكل طبيعي تساهم في عودة الأمور الى طبيعتها، وأي عرقلة في عملها ستؤدي الى عرقلة في المجالات الأمنية، وتمنياتي هي التعجيل في انتخاب رئيس للجمهورية، لأن الشغور الرئاسي ينعكس شللاً في عمل مجلسي النواب والوزراء، لذلك علينا احترام بعضنا البعض واحترام الدستور والإقلاع عن الحسابات الشخصية، لأن ذلك يدمر لبنان واستمرار الشغور إمعان في الخطيئة«.
ويعتبر درباس أن «الخضة الأمنية التي حصلت تقتضي من كل المؤسسات العمل على أعلى المستويات، وليس فقط في مجلس الوزراء، وحين حصلت هذه الخضة استنفرت كل أجهزة الدولة لتدارك تبعاتها، وقام الرئيس سلام بدعوة مجلس الأمن المركزي لاتخاذ الخطوات اللازمة، وكلام قائد الجيش العماد جان قهوجي أبرز دليل على هذا الاستنفار، وما أريد قوله إن هؤلاء الإرهابيين لا بيت لهم ولا وكر في لبنان وليس لهم بيئة حاضنة، وبالتالي كل مؤسسات الدولة لن تسمح بأن يكون لهم دور في الواقع اللبناني».