اذا كان التنميق الكلامي بدافع اللياقات “الوطنية ” لم يعد مجديا الا بزيادة التكاذب، فإن الحقائق القاسية في حقيقتها توجب معاينة صريحة لطبيعة الذعر المسيحي التصاعدي حيال الفراغ الرئاسي الذي يكاد يصبح أمرا مفروغا منه. ذلك انها المرة الاولى على الارجح التي يربط فيها المسيحيون، على انقساماتهم، واقعهم السياسي بموقع الرئاسة نتيجة عوامل موضوعية عدة بعضها يعود الى عجزهم عن الانخراط في “قوانين” اللعبة الطائفية انخراطا كاملا وبعضها الآخر الاهم يعود الى الواقع الصراعي لشركائهم المسلمين داخل النظام والسلطة.
يجري الآن تسليط الاضواء على مكان واحد هو تشلع القوى المسيحية بما يهمش واقع شركائهم الذي أدى الى توظيف الصراعات المسيحية وتصويرها كسبب اساسي للفراغ المهرول. لا شك في ان الدفاع عن سلوكيات مسيحية في تعطيل الجلسات الانتخابية هو كذر الرماد في العيون. كما ان التغافل عن حروب الانانيات والشخصانيات المارونية هو كطمر الرؤوس في الرمال. لكن مجمل هذه الوقائع لا يجيز جلد الذات الذي يخضع المسيحيون أنفسهم له بغباء مفرط ولا ترك موظفيه من شركائهم الاختباء وراءه.
الامر هنا يتعلق بمعضلة بنيوية مفادها ان التعددية السياسية لدى المسيحيين تقف عند مشارف نهاية محتومة لا مفر منها اذا اراد المسيحيون فرض قواعدهم الخاصة على شركائهم. لقد شكلت بكركي حجر الرحى في تجربة لم تنجح باعلان مرشح حصري كان يمكن فرضه لو تخلى المسيحيون عن تعددية قواهم والتحقوا باحادية مماثلة لتلك التي تطبع واقع الطوائف الاخرى. اما والعجز عن ازالة التعددية حال دون ولادة رئيس “قوي” فإن ذلك لن يقلل خطورة الوجه الآخر الذي بدأ يطبع الواقع المسيحي سلبا بالكامل ويتحول معه المسيحيون الى التطرف حتى من ضمن تعدديتهم مما يفاقم حدة التداعيات التي ستنشأ عن الفراغ الرئاسي.
الامر لم يعد اذاً مسألة ذعر مسيحي على الرئاسة فقط بل هي ردة متأصلة تعتمل بقوة جراء عجز المسيحيين عن فرض قواعد التحاقهم بقواعد صراع مذهبي لا يقيم اعتبارا الا لتوحد المسيحيين في مشهد “قتالي” على غرار ما فعلت “الجبهة اللبنانية” في سبعينات القرن الماضي. وليس ادل على هذه الحقيقة الصادمة من ان رئيساً سابقا هو إميل لحود غادر القصر الجمهوري في ٢٠٠٧ وسط لامبالاة مسيحية مذهلة لان عهده شكل ذروة الصدام مع الوصاية السورية، فيما تتصاعد الآن أقصى تعبيرات المسيحيين حدة مع استعداد الرئيس سليمان للمغادرة والتسليم للفراغ. لذا سيتعين على الشركاء أن يراجعوا حساباتهم في اي تقليل للحالة الطالعة مع مسيحيين غاضبين ومحبطين من عجزهم وكذلك من مستثمري تعدديتهم الذين يقبعون في أحاديات مذهبية دمرت الخصوصية الديموقراطية اللبنانية.