فيما اللبنانيون يسبحون في الفراغ ويعيشون في جمهورية من دون رئيس.. وفيما الدول العربية التي مر عليه الربيع الافتراضي تهتز تحت وطأة الاضطرابات الداخلية.. خرج «داعش» ليعلن عن إنشاء دولة الخلافة الاسلامية ويدعو المسلمين الى مبايعة ابي بكر البغدادي خليفة لهم.
أخفقت الاطراف اللبنانية حتى الآن في انتخاب رئيس لدولة قائمة، أما «داعش» فقرر ان يملأ «الشغور» على طريقته. هكذا، وببساطة أسس دولة واختار خليفة لقيادتها. وبمعزل عما إذا كانت هذه «الخلافة» قابلة للحياة والاستمرار، فان مجرد الاعلان عن ولادتها، يعكس المدى الذي بلغه مشروع التطرف والتكفير، على أنقاض مقولات الاعتدال والوسطية والعيش المشترك والتنوع.
ومع ذلك، هناك في لبنان من يصر على الاستمرار في المكابرة، ويرفض الاعتراف بالخطر الوجودي الذي يمثله مشروع «داعش»، ليس بالمعنى السياسي او المذهبي، بل بالمعنى الحضاري والثقافي بالدرجة الاولى، وبالتالي فان أي تقزيم لهذا التحدي الى مستوى طائفة او مذهب يقود حتما الى تحجيم المخاطر المترتبة عليه، ومن ثم عدم الاستعداد جيدا للتصدي له.
أصبح لتنظيم «داعش» نمط حياة ودولة وخليفة وهوية. انها منظومة متكاملة يراد لها ان تشمل لبنان، في تعبير عن مدرسة دينية وفكرية، عابرة للحدود، وهي قائمة قبل ولادة «حزب الله». لكن البعض لا يزال يقارب هذه الظاهرة من زوايا ضيقة، ووفق حسابات محلية تتصل بالمماحكات الداخلية، واضعا تمدد المظاهر الداعشية الى لبنان من انتحاريين وارهابيين، في سياق رد الفعل على تدخل الحزب في سوريا.
ويبدي مصدر مسيحي «معتدل» أسفه لكون بعض القوى السياسية اللبنانية، ومن بينها قوى مسيحية، تتجاهل حقيقة الخطر الذي تحمله ظاهرة التطرف والتكفير في طياتها، بل انها لا تملك أصلا معرفة وافية بطبيعة الحركات الاسلامية وتاريخها وطروحاتها والفوارق بين اتجاهاتها، والارجح انه إذا سئلت بعض القيادات عن ابي بكر البغدادي على سبيل المثال، فهي لن يكون لديها الكثير لتقوله، لانها ببساطة لا تعرفه كفاية.
ويعتبر المصدر ان الخطوة الاولى على طريق مواجهة التحدي الذي يمثله «داعش» تكمن في التعريف الصحيح لهذا التحدي وفهمه على حقيقته، ملاحظا ان هناك أطرافا لبنانية، خصوصا داخل «14 آذار»، لا تزال تتجنب مواجهة الحقائق كما هي، بحيث انها تطل على القضايا الكبرى والمصيرية التي تواجه الشرق الاوسط حاليا من «ثقب» العداء الشخصي للرئيس بشار الاسد.
ويطالب المصدر القيادات المسيحية بالتنبه الى خطورة ما يجري في المنطقة، وانعكاساته السلبية على لبنان، محذرا من مغبة الافتراض بامكانية البقاء بمنأى عن الحريق الاقليمي، او توظيف تداعياته في هذا الاتجاه او ذاك، لان اللعبة كبيرة جدا وواهم من يظن انه يستطيع ان يكون جزءا منها او مستثمرا فيها، لتعزيز موقعه السياسي وأوراقه التفاوضية في الداخل.
وانطلاقا من هذه المقاربة، يشدد المصدر على وجوب ان يكون المسيحيون مدركين للمخاطر التي تحملها هجمة «داعش» العابرة للطوائف والمذاهب، معتبرا انه لا يجوز لهم ان يقفوا على الحياد او ان يجلسوا في مقاعد المتفرجين او ان يراهنوا على استثمار مردود «الغزوات» ضد خصم داخلي أو إقليمي، كما يعتقد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع.
ويؤكد المصدر انه ينبغي ان يكون المسيحيون شركاء في المواجهة ضد ظاهرة التطرف، لاسيما انهم دفعوا ثمنها غاليا، ولا يزالوا، في سوريا والعراق وغيرهما، ولا شيء يضمن عدم ضمهم الى بنك أهداف الارهاب المتسرب الى لبنان، خصوصا بعدما أصبحت الساحة اللبنانية في عين العاصفة.
ويؤكد المصدر المسيحي المعتدل انه يجب عدم النظر الى مسار الاحداث في المحيط الاقليمي من زاوية مذهبية، ذلك ان ما يجري ليس صراعا سنيا – شيعيا، ولا يمكن في الاساس ان يكون «داعش» ممثلا للسنة، وبالتالي فان الصراع هو في جوهره مع مشروع يرمي الى تفتيت المنطقة وإعادة انتاج شرق أوسط جديد، وفق معايير مذهبية.