IMLebanon

أبو عدس والحريرية المشرقية

إنّ دعوة الرئيس بري إلى جلسة إنتخاب رئيس للجمهورية الثلاثاء في 2 أيلول القادم.. تصادف الذكرى العاشرة لصدور قرار مجلس الأمن 1559 والذي جاء في اليوم التالي للتمديد للرئيس لحود.. إذ إنقسم اللبنانيون بين البريستول المؤيّد للقرار.. وعين التينة الرافضة لذلك.. فكان العزل السياسي للرئيس رفيق الحريري رغم تمييزه المقاومة عن الميليشيات.. وتشكّلت حكومة الرئيس عمر كرامي.. وهذا الإنقسام هو نفسه الذي وقع بعد عملية إغتيال الرئيس الحريري.. وما عُرف بقوى 8 آذار وقوى 14 آذار..

جاء القرار 1559 واضحاً بأسبابه وأهدافه وموضوعه.. أي رئاسة الجمهورية اللبنانية.. ومعها قضية سيادة الدولة اللبنانية على كامل ترابها وانسحاب القوات السورية وحصر السلاح بيد الجيش اللبناني.. فإنّ القرار 1559هو بمثابة إزالة آثار ما عرف باتفاق القاهرة للعام 69 الذي سمح لمنظمة التحرير الفلسطينية بإقامة المعسكرات والقتال من الجنوب اللبناني الذي أدّى إلى زوال الدولة ودمار البلاد والإنشطار الوطني وارتكاب المجازر الشنعاء.. أي أنّ القرار 1559 هو بمثابة إعتراف من مجلس الأمن بالأهلية اللبنانية الوطنية وبقدرة اللبنانيين على حكم أنفسهم بأنفسهم واستكمال مسيرة البناء العمراني والسياسي والديمقراطي..

شكّل اغتيال الرئيس رفيق الحريري رداً إستراتيجياً على الإتجاه الإنمائي والسلمي والديمقراطي والإنفتاحي الذي جسدته التجربة الحريرية كفريق ثالث للإنقسام الطائفي والمسلّح الذي شكّل على مدى سنوات الصراع الطويل بين اللبنانيين.. سياسياً وأمنياً وجغرافياً ومجتمعياً.. وكانت هذه القوى السياسية رحّبت بالحريرية بما هي مرحلة عابرة لاعتقاد هذه القوى بأنّها الخيار الأول والأخير والأبدي للشعب اللبناني العزيز..

فاجأت التجربة الحريرية هذه الثنائية السياسية والعسكرية إذ أصبحت خياراً وطنياً عابراً للطوائف والمناطق.. حيث إستطاعت القوى المدنية أو السواد الأعظم من عموم الشعب اللبناني بأغنيائهم وفقرائهم التحرّر من الهيمنة.. وسارعت الى المبادرة والعمل والإستثمار والإنفتاح.. واجتمع اللبنانيون بانسياب مدني وطني عارم.. كانت ذروته القدرة على مقاطعة التّمديد رغم التّهديد والوعيد.. وجعل العالم يعترف بهذه التّجربة الوطنية الحديثة والمدنية وصدور القرار 1559..

مع محبّتي وتقديري للمفكّر سمير فرنجية ولعبقرية «البك» في صناعة السياسات فإنني أتوقع منه في لقاء سيدة الجبل الإستثنائي غداً تنويهاً بالنواب الذين قاطعوا التمديد.. ومراجعة لعشر سنوات على صدور القرار 1559 وتداعياته واغتيالاته وآثاره على التجربة السلمية الديمقراطية الوطنية.. وعلينا أن نتحمّل المسؤولية السياسية والفكرية تجاه هذه التجربة التاريخية الإستثنائية والمكلفة جدّاً!..

جاء القرار 1701 بعد عدوان تموز ليعيد إنتاج القرار 1559 وإلغاء مفاعيل تفاهم نيسان وحق لبنان بمقاومة الإحتلال.. وكان ذلك إحدى أهم إنجازات حكومات الرئيس الحريري.. بالإضافة إلى ذلك فإنّ عدوان تموز أعاد إنتاج التّموضع الأول للقرار 1559 تفادياً للقرار الدولي 1595 الخاص بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان..

إنّ هذه المراجعة هي ضرورة سياسية ووطنية إذا كنّا نريد أن ندرك ما آلت إليه الأمور في لبنان والمنطقة والتّحدّيات الكبرى التي تهدّد المنطقة والعالم في آن..

جاء القرار 2170 الخاص بمحاربة الارهاب في سوريا والعراق ردّاً على داعش ليحتوي السنوات العشرة الماضية وتداعياتها وارتجالاتها وإنسحاباتها وإغتيالاتها ودمارها وتهجيرها.. وهنا نتحدث عمّا جرى خلال السنوات العشرة الأخيرة في كلّ من لبنان وسوريا والعراق وغزة.. أي المشرق العربي بكلّ تنوّعه وتداخله الإقليمي بدول الجوار العربي.. إسرائيل وتركيا وإيران.. بالإضافة إلى أهمية المشرق الإستراتيجية بالنسبة لدول العالم قاطبةً وبدون إستثناء.. مع التّغييرات في مصر وتونس والخراب الذي يأكل ليبيا والسودان واليمن.. ولهذا علينا أن ندرك كلبنانيّين بأنّ كلّ هذه التّطوّرات والأحداث بدأت مع موجة القرار 1559 وزلزال إغتيال الرئيس رفيق الحريري..

تفاجأ الجميع بدولة الإسلام «داعش» وما تعرّض له الأخوة المسيحيّون والأزيديّون في العراق خلال الأيام الماضية.. بالإضافة إلى إعدام الصحافي الأميركي وغزوة عرسال وما رافقها.. ثم بدأت عملية التوليد السياسي من خلال هذه الأحداث الأليمة.. إقليمياً ودولياً ومحلياً.. وكلّها محاولات تندرج تحت فن إعادة إنتاج الذات دون مراجعة الأخطاء والعثرات والشواهد والأحداث التي قدّمت لما نراه الآن.. من خروج على القواعد والأعراف والإستخدامات الفئوية للدولة ومؤسساتها والإنهيارات الإقتصادية والصناعية والسياحية والإعلامية والأمنية والأخلاقية..

كانت سنوات عشرة عجاف وصعبة وكلّها مقدّمات لما رأيناه وما قد نراه.. لأنّنا في بداية النهاية للأهوال والتي ستكون الأشد هولاً قبل أن تستقر المنطقة على تحدّياتها الجديدة عبر الدولة الوطنية.. فطائرات الإستطلاع تملأ الأجواء.. والإستعدادات للتّحالف الاقليمي الدولي تَسير بسرعة كبيرة وهي تشبه ما قبل أفغانستان وليس ما قبل العراق.. أي أنّ هناك إجماع دولي على خطورة هذه المواجهات والتي تسبّبت فيها السياسات الصغيرة للدول الكبيرة.. وكذلك أهوال غزة ودمارها وضحاياها بمعزل عن النتائج والتسويات والإنتصارات.. فإنّ جنود العدو الاسرائيلي توجّهوا إلى الجبهة الشمالية وأصبحت منطقة الجولان منطقة حربية واحتلّت جبهة النصرة معبر القنيطرة واحتُجِز أفراد من القوات الدولية هناك.. وكلّها تطورات سريعة تقول بأنّ هذه الجبهة الشمالية تسير نحو الإشتعال..

عشية اغتيال الرئيس الحريري كانت الاتجاهات كثيرة.. وجميعها تحاول الإجابة على سؤال واحد.. وهو حقيقة من قتل الرئيس الشهيد.. كانت اتجاهات قوية وحقيقية.. وكان هناك إتّجاه آخر يحاول الدّمج بين حقيقة من اغتال الرئيس الشّهيد وحقيقة لماذا اغتيل الرئيس الحريري.. فأُهمل شريط أبو عدس ولم يقرأ بدقة وعناية لأنّ الغاية منه كانت تجهيل الفاعل.. وهو كذلك إلاّ أنّ مضمونه عميق وحقيقي.. إذ أنّه أُريد منه إظهار المتضرر الأكبر من الحريرية الإنمائية والإعمارية.. أي أنّ ظاهرة الرئيس الحريري كانت العدو الحقيقي للجهة السياسية التي ينتمي إليها أبو عدس.. وأن واضعه كان يعرف جيداً الخطر الذي تشكّله التجربة الحريرية على التّطرف الذي تجسّد بداعش وأخواتها.. وأن المتضرّر الحقيقي من الدولة الحريرية الانمائية هي الدولة الإستبدادية الداعشية.. الدينية وغير الدينية.. وأن حريري لبنان هو نقيض العرب الافغان وامتداداتهم.. وهما اتجاهان معاكسان قدرهما الاصطدام.. فالأوّل يسير نحو الأمام والثاني يسير نحو الوراء.. وهذا ما دفع مؤخّراً الجميع وبدون إستثناء.. محلياً وعربياً واقليمياً ودولياً.. بالاستنجاد بالحريرية الانمائية المتمثّلة بسعد الحريري تحديداً.. لأنه الوحيد الذي تصدّى مبكراً للتطرّف بالاعتدال.. والذي أعطى كلّ شيء ولم يأخذ شيئاً.. أما الآخرون فأخذوا الكثير وأعطونا الكثير من الكلام.. لأنّ محاربة داعش لا تكون بداعس.. أي بالاستبداد أو الاستخفاف بعقول الناس أو بالفساد أو الادعاء أو الاوهام.. بل بالعطاء والإنجاز والصّبر والتحمّل والتسامح وإعادة البناء والسعي لوصل ما انقطع واعادة الإعتبار للدولة الوطنية الإنمائية.. وهذا ما فعله رفيق الحريري.. وهذا ما يريده الآن كلّ الذين يحاولون الاحتماء بالقرار 2170 بعد فوات الأوان وإقامة حكومات حريرية في العراق وفلسطين وسوريا ولبنان.. حكومات تقوم على الإنجاز وليس الادعاء..

الآن وبعد عشر سنوات على القرار 1559 واغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري نجد لبنان والمنطقة أمام 1559 + 10.. وأبو عدس والحريرية المشرقية!