IMLebanon

أثمان «المقاومة»

إذا صحّت المعلومات (والأرجح أن تصّح) التي تحدثت عن مفاوضات في العتمة بين «حزب الله» و«جبهة النصرة» عبر وسطاء، بهدف مبادلة جثث وأسرى بين الطرفين، فإن ذلك سيكون تأكيداً تفصيلياً إضافياً لأداء سياسي عام يعتمده الحزب في كل صغيرة وكبيرة، وأساسه وضع مصلحته فوق وقبل وبعد أي مصلحة أخرى عامة أو خاصة.

ذلك الأساس يحمل فوقه بناء «المقاومة». ولأجلها لا يعزّ شيء ولا يُعوّف ولا يُوفّر، بما فيه بطبيعة الحال، المصير الوطني اللبناني برمّته، واعتبار أي أمر آخر أو أي شيء لا صلة مصلحية رابطة بينه وبين المقاومة، غير ذي شأن ولا يُعتدّ به ولا حاجة الى التوقف عنده.

إحدى الترجمات البليغة والعامة لذلك الأداء تُوصل الى أن مقاومة «حزب الله» هي تشكيل فريد من نوعه بين الأطر المشابهة. أي ان كل مقاومة، أياً كانت هويتها وجغرافيتها وطبيعتها، منذورة لخدمة الكيان الوطني الذي تنتمي إليه، والنسيج البشري والاجتماعي الذي تسبح فيه وتمخر بمراكبها في عبابه. أي انها في الوظيفة والهدف قائمة قاعدة لخدمة الأرض الموجودة فيها وخدمة كل ما عليها.. إلا المقاومة التي نحن في صددها، فهي تبدو في سياق معاكس. أي أن كل الأطر الوطنية والكيانية والبشرية في خدمتها ولأجلها وليس العكس!

مثال حرب العام 2006 حمّال أوجه، لكنه يدلّ الى شيء من ذلك الاعتبار: خسائر بشرية وعمرانية كارثية سُجّلت في لبنان، لكن «حزب الله» لا ينظر إليها، (برغم اعتبارها نتيجة سوء في التقدير) سوى من منظار أنها فَدتْ المقاومة وراكمت أسباب «انتصارها الإلهي».

إذا كان هذا المثال يعطي جزءاً من الحق لأصحاب المقاومة باعتبار أن إسرائيل كانت الطرف العدو في المعادلة الحربية، فإن مثال سوريا منذ بدء ثورتها يحيل الأمر الى خلاصة إدانية كارثية تامة: يحطّم المعنى الأولى للمقاومة من حيث إحالتها الى تنظيم مذهبي بشعار سياسي منخرط في فتنة وولاّد لها! ويُظهر في المقابل الكلفة الباهظة التي لا تتناسق مع أي أيقونة أيّاً كانت ندرتها وجودتها وتاريخيتها!

أي أن كلفة حماية المقاومة وخطوط إمدادها وبُعدها السياسي المذهبي كانت حتى العام 2011 مقتصرة على البلاء اللبناني، على الدولة والمؤسسات الشرعية والاجتماع الأهلي والتركيبة السياسية، وصولاً الى اعتبار لبنان هذا تفصيلاً متمماً لنضالات محور الممانعة حتى وإن كان وحده يدفع الثمن! ولكن التورط السوري بكل معانيه وإفرازاته وتداعياته صار يعني أن «كلفة» هذه المقاومة أو حمايتها، وصلت الى إضافة الهريان الوطني اللبناني الى تدمير دولة مثل سوريا وإصابة شعبها بنكبة لا مثيل لها منذ دخول هولاكو والمغول الى دمشق وحلب وما بينهما في القرن الثالث عشر وإفناء كل حياة وعمران فيها.

وذلك يهون! أمام الثمن الآخر المدفوع لـ«حماية» المقاومة، بحيث أن الخلاصة تشتمل على الآتي: تدمير سوريا وهتك الكيان اللبناني زائد فتنة مذهبية مشتعلة في العالم الإسلامي والعربي برمّته، وإن كان ذلك الاشتعال حاراً ضارياً مفرقعاً في مواضع، وخامداً تحت أستار السياسة والإعلام و«المشاعر» الأولى في مواضع أخرى!.

وعلى الهامش تفصيل إضافي في مكانه وزمانه: يُجيز «حزب الله» لنفسه مفاوضة «جبهة النصرة» (والأرجح مجدداً أنه يفعل!) لمبادلتها أسرى وجثثاً، لكنه يمنع ذلك على الحكومة والجيش برغم كل الاحتمالات الكارثية.. وهل في توصيف ذلك يخطر في البال أي مصطلح آخر، غير النفاق؟!